وما حيلة عمار، وما ذنبه وهو قد تعلم هذا من الرسول صلى الله عليه وسلم، وفقهه فيه علي بن أبي طالب.
وتساءل بعض القراء: كيف نصر الله الأغنياء بافترائهم، على المساكين بزهدهم وتقواهم؟ الحكمة ما أراد الله تعالى، وما أراد لقضائه، وتساءل آخرون منهم: لماذا يبتلى إمامهم علي بكل هذه المحن؟
وقال آخرون: إن عليا من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون، وقد شرى علي نفسه ابتغاء مرضاة الله.
فقال أحد القراء: رأيت في بعض الكتب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد الهجرة، خلف علي بن أبي طالب بمكة لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج إلى الغار، وقد أحاط المشركون بالدار، أن ينام في فراشه، وقال له: (اتشح ببردي الخضرمي الأخضر، فإنه لا يخلص إليك منه مكروه إن شاء الله تعالى)، ففعل ذلك، فأوحى الله إلى جبريل وميكائيل عليها السلام: أني آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله عز وجل إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب؟ آخيت بينة وبين نبيي محمد، فبات على فراشه، يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه، فنزلا فكان جبريل عند رأس علي، وميكائيل عند رجليه، وجبريل ينادي: بخ بخ! من مثلك يا بن أبي طالب يباهي الله عز وجل به الملائكة، فأنزل الله عز وجل على رسوله وهو يتوجه إلى المدينة - في شأن علي: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله).
فقال أحد القراء: سينصر الله إمامنا فقد علمنا من شيخنا ابن مسعود وعمار أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان.
وأخذ القراء يبكون عمارا ويدعون الله، ويرتلون القرآن، ويطيلون الركوع والسجود، حتى رآهم الأشتر، فأشفق عليهم، وضمهم إلى رجاله وقادهم جميعا