قالوا قد تبين أن الوجود زائد على الماهية، فإما أن يكون موجودا أو معدوما، أو لا موجودا ولا معدوما، والأولان باطلان، أما الأول فلأنه يلزم التسلسل، وأما الثاني فلأنه يلزم منه اتصاف الشئ بنقيضه، فبقي الثالث.
والجواب: أن الوجود غير قابل لهذه القسمة لاستحالة انقسام الشئ إلى نفسه وإلى غيره، فكما لا يقال السواد إما أن يكون سوادا أو بياضا، كذلك لا يقال الوجود إما أن يكون موجودا أو لا يكون، ولأن المنقسم إلى الشيئين أعم منهما، ويستحيل أن يكون الشئ أعم من نفسه.
الوجه الثاني: أن اللونية أمر ثابت مشترك بين السواد والبياض، فيكون كل واحد من السواد والبياض ممتازا عن الآخر بأمر زائد على ما به الاشتراك، ثم الوجهان إن كانا موجودين (1)، لزم قيام العرض بالعرض، وإن كانا معدومين لزم أن يكون السواد أمرا عدميا وكذلك البياض، وهو باطل بالضرورة فثبتت الواسطة.
والجواب من وجهين: الأول: أن الكلي ثابت في الذهن فلا ترد عليه هذه القسمة.
الثاني: إن العرض قد يقوم بالعرض على ما يأتي (2). وأيضا فإن قيام الجنس بالفصل ليس هو قيام عرض بعرض.
قال: ونوقضوا بالحال نفسها.
أقول: إعلم أن نفاة الأحوال قالوا: وجدنا ملخص أدلة مثبتي الحال يرجع إلى أن هاهنا حقائق تشترك في بعض ذاتياتها، وتختلف في البعض الآخر، وما به الاشتراك مغاير لما به الامتياز، ثم قالوا: وذلك ليس بموجود ولا معدوم، فوجب القول بالحال. وهذا ينتقض عليهم بالحال نفسها، فإن الأحوال عندهم متعددة