كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (تحقيق الآملي) - العلامة الحلي - الصفحة ٥١
الأشاعرة إلى أن هاهنا واسطة بين الموجود والمعدوم، وهي ثابتة وسموها الحال (1)، وحدوها بأنها صفة لموجود لا توصف بالوجود والعدم، فيكون الثابت
(1) قال ابن الحزم في الفصل: وأما الأحوال التي ادعتها الأشعرية فإنهم قالوا إن ها هنا أحوالا ليست حقا ولا باطلا ولا هي مخلوقة ولا غير مخلوقة ولا هي موجودة ولا معدومة ولا هي معلومة ولا هي مجهولة ولا هي أشياء ولا هي لا أشياء، إنتهى.
واعلم أن القائلين بالأحوال جعلوها واسطة بين الأعيان الموجودة في الخارج بالاستقلال وبين الصور العلمية التي لا توصف بأنها مجعولة، لأنها من حيث هي صور علمية معدومة في الخارج، فالأحوال لكونها صفات للأعيان المجعولة في الخارج وليست ذوات مستقلة وأعيانا جوهرية، بل لها وجود تبعي لا تكون موجودة ولا معدومة، أي لا تكون موجودة جوهرية مستقلة خارجية، ولا هي معدومة لأنها موجودة بالتبع. وهذا صرف اصطلاح، فالتشنيع غير وارد عليهم، كيف والأوحدي من أساطين التحقيق الذين لا يرون إلا الوجود الصمدي والحق الأحدي، قائلون بأن الأعيان من حيث أنها صور علمية أعيان ثابتة، أي لا توصف بأنها مجعولة لأنها حينئذ معدومة في الخارج والمجعول لا يكون إلا موجودا كما لا توصف الصور العلمية والخيالية التي في أذهاننا بأنها مجعولة ما لم توجد في الخارج، ولو كانت كذلك لكانت الممتنعات أيضا مجعولة، لأنها صور علمية فالجعل أنما يتعلق بها بالنسبة إلى الخارج وليس جعلها إلا إيجادها في الخارج، كما في التنبيه الأول من الفصل الثالث من فصول شرح القيصري على فصوص الحكم (ص 20 ط 1).
بل صاحب فصوص الحكم يبحث في الفص الزكراوي منه عن الأحكام التي هي حاكمة حقيقة في الموصوفين بها على غيرهم، وتلك الأحكام كالمناصب التي في أصحابها، فما داموا منصوبين ومتصفين بها كانوا حاكمين كالسلطان والقاضي والوزير وغيرهم، ففي الحقيقة تلك الأحكام حاكمة لا أنفس هؤلاء، وتلك الأحكام هي معان قائمة في محالها وهي واسطة بين الوجود والعدم. بذلك الوجه الذي أشرنا إليه وإنما سميت حالا، إذ بها يتحول الذات فيقول صاحب الفصوص في تلك الأحكام التي هي أحوال ما هذا لفظه:
والحكم لا يتصف بالخلق لأنه أمر توجبه المعاني لذواتها، فالأحوال لا موجودة ولا معدومة، أي لا عين لها في الوجود لأنها نسب، ولا معدومة في الحكم لأن الذي قام به العلم يسمى عالما وهو الحال، فعالم ذات موصوفة بالعلم، فما هو عين الذات ولا عين العلم وما ثم إلا علم وذات قام بها هذا العلم، وكونه عالما حال لهذه الذات باتصافها بهذا المعنى، فحدثت نسبة العلم إليه وهو المسمى عالما.
وقال الشارح المذكور: (فالأحوال والأحكام كلها لا موجودة في الأعيان بمعنى أن لها أعيانا في الخارج ولا معدومة بمعنى أنها معدومة الأثر في الخارج) - إلى قوله: - (وهذا هو المسمى بالحال في مذهب المعتزلة الذي هو واسطة بين الوجود والعدم) (ص 408 ط 1).
فعلى ما حققنا يظهر لك مفاد كلامهم المنقول في الشوارق حيث قال: (ذهب أبو هاشم وأتباعه من المعتزلة وإمام الحرمين والقاضي أبو بكر من الأشاعرة إلى أن المعلوم إن لم يكن له ثبوت في الخارج فهو المعدوم، وإن كان له ثبوت في الخارج، فأما باستقلاله وباعتبار ذاته فهو الموجود وأما باعتبار التبعية لغيره فهو حال، فالحال واسطة بين الموجود والمعدوم لأنه عبارة عن صفة للموجود لا تكون موجودة ولا معدومة، مثل العالمية والقادرية ونحو ذلك.
والمراد بالصفة ما لا يعلم ولا يخبر عنه بالاستقلال بل بتبعية الغير والذات تخالفها وهي لا تكون إلا موجودة أو معدومة بل لا معنى للموجود إلا ذات لها صفة الوجود، والصفة لا تكون ذاتا فلا تكون موجودة، فلذا قيدوا بالصفة، وإذا كانت صفة للموجود لا تكون معدومة أيضا لكونها ثابتة في الجملة، فهي واسطة بين الموجود والمعدوم) إنتهى.
فقول الشارح: وهذا المذهب باطل بالضرورة، أو قول الماتن: فلا واسطة، فمما ينبغي التأمل فيه جدا.
ومما هو أصدق شاهد على التحقيق الذي تفردنا به في المقام أن الكون في اصطلاح أهل التوحيد القائلين بالوحدة الشخصية في الوجود الحق اللا بشرط الاطلاقي الصمدي، هو عبارة عن وجود العالم من حيث هو عالم، أي من حيث التعين والماهية لا من حيث أنه حق، أي لا من حيث الوجود، وإن كان الكون مرادفا للوجود المطلق عند أهل النظر.
نعم، لو ذهب القائل بالثبوت إلى الثبوت في الخارج فهو خطأ بلا كلام، كما ذهب إليه المعتزلي على ما صرح به القيصري في فصول شرحه على فصوص الحكم (ص 21 ط 1).