مذهبهم: أن كل ماهية نوعية فإنه يثبت من أشخاصها في العدم ما لا يتناهى، كالسواد والبياض والجواهر وغيرها من الحقائق، فألزمهم المصنف المحال، وهو القول بعدم انحصار الموجودات، لأن تلك الماهيات ثابتة، وهي غير محصورة في عدد متناه. والثبوت هو الوجود لانتفاء تعقل أمر زائد على الكون في الأعيان، فلزمهم القول بوجود ما لا يتناهى من الماهيات، وهو عندهم باطل (1). فإن جعلوا الوجود أمرا مغايرا للكون في الأعيان، كان نزاعا في عبارة وقولا بإثبات ما لا يعقل، مع أنا نكتفي في إبانة محالية قولهم بالثبوت الذي هو الكون (2) في الأعيان، وهم يسلمونه لنا. والبراهين الدالة على استحالة ما لا يتناهى، كما تدل على استحالته في الوجود تدل على استحالته في الثبوت، إذ دلالتها أنما هي على انحصار الكائن في الأعيان. وقول المصنف رحمه الله (وانحصار الموجود) عطف على الانتفاء، أي وكيف تتحقق الشيئية بدون الوجود مع إثبات القدرة وانتفاء الاتصاف، ومع انحصار الموجود مع عدم تعقل الزائد هكذا ينبغي أن يفهم كلامه ها هنا.
قال: ولو اقتضى التميز الثبوت عينا لزم منه محالات.
أقول: لما أبطل مذهب المثبتين، شرع في إبطال حججهم، ولهم حجتان رديتان ذكرهما المصنف وأبطلهما، (أما الحجة الأولى) فتقريرها: أن كل معدوم متميز وكل متميز ثابت فكل معدوم ثابت.
أما المقدمة الأولى فيدل عليها أمور ثلاثة:
أحدها: أن المعدوم معلوم، والمعلوم متميز.
الثاني: أن المعدوم مراد، فإنا نريد اللذات، ونكره الآلام، فلا بد وأن يتميز المراد عن المكروه.