قال: وكيف تتحقق بدونه مع إثبات القدرة وانتفاء الاتصاف (1).
أقول: لما استبعد مقالة هؤلاء القوم ونسبهم إلى الجهل (2)، شرع في الاستدلال على بطلان قولهم واعلم أن هؤلاء يذهبون إلى أن القدرة لا تأثير لها في الذوات (3) أنفسها، لأنها ثابتة في العدم، مستغنية عن المؤثر في جعلها ذواتا ولا في الوجود لأنه عندهم حال (4)، والحال غير مقدورة، وقد ثبت في نفس الأمر أن اتصاف الماهية بالصفة غير ثابت في الأعيان، بل هو أمر اعتباري، وإلا لزم التسلسل، لأن ذلك الاتصاف لو كان ثابتا لكان مشاركا لغيره من الموجودات في الثبوت، وممتازا عنها بخصوصية، وما به الاشتراك مغاير لما به الامتياز، فيكون اتصاف ذلك الاتصاف بالثبوت أمرا زائدا عليه، ويلزم التسلسل.
إذا ثبت هذا فاعلم أن المصنف رحمه الله تسلم مذهبهم، وما ثبت في نفس الأمر وألزمهم المحال، وتقريره: أن الماهيات لو كانت ثابتة في العدم لاستغنت الممكنات في وجودها عن المؤثر، فانتفت القدرة أصلا ورأسا، والتالي باطل.
فالمقدم مثله بيان الشرطية، أن القدرة حينئذ لا تأثير لها في الذوات، ولا في الوجود على مذهبهم، ولا في اتصاف الماهية بالوجود على ما ثبت في نفس الأمر، وذلك يستلزم نفي التأثير أصلا. وأما بطلان التالي فبالإتفاق والبرهان دل عليه على ما يأتي. فلهذا استبعد المصنف رحمه الله هذه المقالة مع إثبات القدرة المؤثرة، والقول بكون الاتصاف أمرا ذهنيا، وأنه منتف في الخارج.
قال: وانحصار الموجود مع عدم تعقل الزائد.
أقول: هذا برهان آخر دال على انتفاء الماهيات في العدم، وتقريره أن