واحتج القاضي بأن مستحق العوض لا يقدر على استيفائه ولا على المطالبة به. ولا يعرف مقداره ولا صفته فصار كالصبي المولى عليه لا يصح له إسقاط حقه عن غريمه.
والوجه عندي (1) جواز ذلك لأنه حقه وفي هبته نفع للموهوب، ويمكن نقل هذا الحق إليه فكان جائزا. والحمل على الصبي غير تام لأن الشرع منع الصبي من التصرف في ماله لمصلحة شرعية حتى أنا لولا الشرع لجوزنا من الصبي المميز إذا علم دينه، وأن هبته (2) إحسان إلى الغير وآثر هذا الإحسان لانتفاء الضرر عنه مع اشتماله على الاختيار في الهبة لأنه كالبالغ لكن الشرع فرق بينهما، وعلى هذا لو كان العوض مستحقا عليه تعالى أمكن هبته مستحقة لغيره من العباد لما ذكرنا من أنه حقه، وفي هبته انتفاع الموهوب وإمكان نقل هذا الحق، أما الثواب المستحق عليه تعالى فلا يصح منا هبته لغيرنا لأنه مستحق بالمدح فلا يصح نقله إلى من لا يستحقه.
قال: والعوض عليه تعالى يجب تزايده إلى حد الرضا عند كل عاقل وعلينا يجب مساواته.
أقول: هذا حكم آخر للعوض وهو أنه إما أن يكون علينا أو عليه تعالى، أما العوض الواجب عليه تعالى فإنه يجب أن يكون زائدا عن الألم الحاصل بفعله أو بأمره أو بإباحته أو بتمكينه لغير العاقل زيادة تنتهي إلى حد الرضا من كل عاقل بذلك العوض في مقابلة ذلك الألم لو فعل به، لأنه لولا ذلك لزم الظلم، أما مع مثل هذا العوض فإنه يصير كأنه لم يفعل، وأما العوض علينا فإنه يجب مساواته لما