وجه، كيف يجوز الحكم باتحادهما؟ ثم إن الاتحاد والتغاير المعتبرين في القضية لا يجوز كونهما من جهة واحدة للزوم التناقض، فلا بد من الاختلاف في جهتيهما وطرفيهما، ولا ريب أيضا أن ظرف الاتحاد، إما الوجود ذهنا، أو خارجا، وإما نفس الأمر، فإن الاتحاد النفس الأمري غير الاتحاد الوجودي، فإنه لم يؤخذ فيه الوجود شرطا، أو شطرا أصلا، وأما ظرف التغاير المعتبر، فهو منحصر في الوجود الذهني، أو النفس الأمري، وأما التغاير في الوجود الخارجي، فلما كان يلزمه التغاير في الذهن، ونفس الأمر، فهو خارج عن التغاير المعتبر فيما نحن فيه، لاستلزامه التباين بين الموضوع والمحمول في جميع الجهات المانع عن الحمل، فلذا لا يجتمع مع الاتحاد في الذهن، أو نفس الأمر.
فعلى هذا، فيصير الأقسام الصحيحة من الأقسام المتصورة في القضية الحملية منحصرة في ثلاثة:
الأول: اختلاف الموضوع والمحمول - في نفس الأمر - المعبر عنه بالحقيقة والهوية، وفي - الوجود الذهني - المعبر عنه بالمفهوم، مع اتحادهما - في الوجود الخارجي - المعبر عنه بالمصداق، وذلك في القضايا الخارجية، كقولنا: النار حارة، والشمس مضيئة، والقمر منير، والكوكب طالع، والسقمونيا مسهل، والسم مهلك، والفاكهة الفلانية حامضة، أو حلو، أو مر، وغير ذلك من القضايا التي لا اتحاد بين الموضوع والمحمول فيها في نفس الأمر والحقيقة، ولا في الذهن، وإنما الاتحاد بينهما في الخارج فقط، ضرورة عدم لزوم تلك المحمولات من الحرارة، والإضاءة والإنارة، والطلوع، والإسهال، والإهلاك، والحموضة، لموضوعاتها في الذهن، وعدم اتحادها معها في الحقيقة والهوية، فإن لكل واحد منها حقيقة مغايرة لحقيقة موضوعه.
الثاني: اختلافهما في الوجود الذهني فقط، مع اتحادهما في نفس الأمر والخارج أيضا، لعدم الانفكاك بين الاتحاد النفس الأمري والخارجي، كما عرفت، وذلك في القضايا الواقعية، كما في قولنا: الأربعة ضعف الاثنين، والإنسان حيوان ناطق، أو بشر، والحمار حيوان ناهق، والأسد حيوان مفترس، وغير ذلك من التعاريف اللفظية المقصود بها شرح الاسم، أي بيان مسمى الموضوع في القضية فإن الموضوع والمحمول فيها متحدان في الخارج ونفس الأمر، واختلافهما إنما هو في المفهوم وفي الذهن بتأويل المراد من كل منهما بالمسمى بهذا اللفظ، أو بمعنى هذا اللفظ، أو بالمنفهم منه، فاختلافهما حينئذ بالإضافة والتخيل الذهني.