ولا عملت إلا بإذنه، وإن الرائد لا يكذب أهله، فإني أشهد الله وكفى به شهيدا أني سمعت رسول الله يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا، وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة، وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه. وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفار ويجالدون المردة الفجار، وذلك بإجماع من المسلمين لم أنفرد به وحدي، ولم أستبد بما كان الرأي فيه عندي، وهذه حالي ومالي هي لك وبين يديك لا نزوي عنك ولا ندخر دونك، وإنك وأنت سيدة أمة أبيك، والشجرة الطيبة لبنيك، لا يدفع مالك من فضلك، ولا يوضع في فرعك وأصلك، وحكمك نافذ فيما ملكت يداي، فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك؟!
فقالت عليها السلام: سبحان الله! ما كان أبي رسول الله صلى الله عليه وآله عن كتاب الله صادفا، ولا لأحكامه مخالفا، بل كان يتبع أثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور! وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته!! هذا كتاب الله حكما عدلا وناطقا فصلا يقول: يرثني ويرث من آل يعقوب، ويقول: وورث سليمان داود، فبين عز وجل فيما وزع من الأقساط، وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظ الذكران والإناث، ما أزاح به علة المبطلين، وأزال التظني والشبهات في الغابرين!
كلا! بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون!
فقال أبو بكر: صدق الله ورسوله وصدقت ابنته! أنت معدن الحكمة وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين، وعين الحجة، لا أبعد صوابك، ولا أنكر خطابك، هؤلاء المسلمون بيني وبينك قلدوني ما تقلدت، وباتفاق منهم أخذت ما أخذت، غير مكابر ولا مستبد ولا مستأثر، وهم بذلك شهود!