إثبات أصل الاستحباب بوجود المال أعني القدرة على كسبه عملا بالرواية الصحيحة، ويتأكد الاستحباب مع وجود الوصفين نظرا إلى الخبر الآخر (1) إلا أن قول المصنف: " ولو عدم الأمران كانت مباحة، وكذا لو عدم أحدهما " ينافي ذلك، ولو فقد الشرطان معا لم يستحب لعدم المقتضي له، حيث إن الأمر مخصوص بالخبر المفسر بهما أو بالثاني، ولو اتصف بالأول خاصة وهو الأمانة لم يستحب، لعدم المقتضى له، وربما قيل بالاستحباب أيضا، لاستعمال الخير فيه وحده في قوله تعالى: (2) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره " يعني عملا صالحا وهو الدين، وقوله تعالى: (3) " والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير " أي ثواب، كما أريد بالخير المال وحده في قوله تعالى: (4) " وإنه لحب الخير لشديد " وقوله تعالى: (5) " إن ترك خيرا الوصية " ويضعف بأن استعمال المشترك في أحد معنييه لا يجوز بدون قرينة كاستعماله في المعنيين، وهي منتفية في جانب الدين وحده بخلاف المال، فقد يرجح جانبه بالرواية الصحيحة، والتحقيق إن إطلاق اسم الخير على المعنيين المرادين هنا مجاز، لأنه في الشواهد إنما استعمل في العمل الصالح والثواب ونفس المال، والمراد هنا الأمانة والقدرة على التكسب، وهما ليستا عملا صالحا ولا ثوابا ولا مالا حقيقة، وإنما يكون التكسب سببا في المال، وإطلاق اسم السبب على المسبب مجاز، كما أن إطلاق الأمانة القلبية على الأعمال الصالحة المتبادر منها إرادة أعمال الجوارح أو الثواب عليه ولا يعرفه إلا الله تعالى مجازا أيضا، وحينئذ فاطلاقه عليهما أو على أحدهما موقوف على النقل، وهو موجود في إرادتهما وإرادة
(٢٥٥)