فارقها قبل أن يمسها فخلاها، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة " لكن فيهما أن الكليني قد روى في الحسن عن عمر بن أذينة في حديث طويل (1) " أن النبي صلى الله عليه وآله فارق المستعيذة وامرأة أخرى من كندة قالت لما مات ولده إبراهيم: لو كان نبيا ما مات ابنه، فتزوجت بعده صلى الله عليه وآله وسلم بإذن الأولين، وأن أبا جعفر عليه السلام قال: ما نهى الله عز وجل عن شئ إلا وقد عصي فيه، حتى لقد نكحوا أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله من بعده، وذكر هاتين العامرية والكندية، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: لو سألتهم عن رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها أتحل لابنه لقالوا: لا، فرسول الله أعظم حرمة من آبائهم " وفي رواية أخرى عن زرارة (2) عنه عليه السلام نحوه، وقال في حديثه: " وهم يستحلون أن يتزوجوا أمهاتهم، وأن أزواج النبي صلى الله عليه وآله في الحرمة مثل أمهاتهم إن كانوا مؤمنين ".
ومن ذلك يعلم ما في قول المصنف وغيره، (وليس تحريمهن لتسميتهن أمهات، ولا لتسميته صلى الله عليه وآله والدا) لأن ذلك وقع على وجه المجاز لا الحقيقة، كناية عن تحريم نكاحهن ووجوب احترامهن، ومن ثم لم يجز النظر إليهن ولا الخلوة بهن، ولا يقال لبناتهن أخوات المؤمنين، لأنهن لا يحرمن على المؤمن فقد زوج رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليا عليه السلام، وأختيها رقية وأم كلثوم عثمان، وكذا لا يقال لآبائهن وأمهاتهن أجداد المؤمنين وأمهاتهم، ولا لإخوانهن وأخواتهن أخوال المؤمنين وخالاتهم، وإن كان للشافعية وجه ضعيف في إطلاق ذلك كله، لكنه في غاية البعد، نعم قد عرفت الإشارة في الخبرين إلى حرمتهن كحرمة الأمهات ونساء الأب، فلا يبعد كون المراد من الاطلاق المزبور تنزيلهن منزلة ذلك في حرمة النكاح خاصة، ولو للخبرين، ولا يلزم من ذلك إجراء باقي الأحكام على ذلك خصوصا بعد معلومية خلافه من الأدلة كما هو واضح، والله العالم.