فضله فيسأله اعطاءه أو منعه " (1).
وبديهي أنه صلوات الله عليه بعد أن عيل صبره لم ير مناصا من التفكير في اقصائه عن المدينة ليتخلص منه، وليريح الناس من ملاحقته إياهم، إذ لا يصح أن يكون بين أصحابه، ومن يعيشون بجواره، من لم يحمل نفسا أبية عفيفة قانعة.
ومما نزيده توكيدا لذلك وتأييدا أن كثيرا من أهل الصفة الذين كان يعيش بينهم لم يفعل واحد منهم مثل ما فعل، فيخرج منها ليستطعم الناس مهما بلغ به الجوع، بل كان كثير منهم لا يرضون بعيشتهم فيها، ولا يطيقون المقام بها، ويهتبلون الفرص لمغادرتها، يضربون في الأرض، ويأكلون بسعيهم من رزق الله.
أما أبو هريرة فقد أخلد إليها، لا يريم عنها ثم كان (وحده) من دون إخوانه جميعا لا ينتظر حتى يأتيه طعامه مما يجود به النبي أو غيره من الصحابة، بل كان يخرج من الصفة ليتكفف الناس، وهذه صفه لا تقبلها نفس كريمة ولا يرضى عنها النبي (ص) بل يمقتها مقتا شديدا، لأنه يريد من أصحابه وسائر من يتبعونه أن يكونوا شرفاء النفس متردين برداء العفة، لا يعيشون من فضلات الناس، وإنما يأكلون من كسب أيديهم ولو أن يحتطبوا، لان هذه الفضلات إن هي إلا أوساخ.
ومما يجب ملاحظته هنا، أن من المستحيل أن يأتي رجل من مكان سحيق ليخدم آخر متطوعا بغير أجر إلا أن يملا بطنه، ثم يكون الطرد جزاؤه!
إن هذا لمما تأباه كل نفس كريمة وبخاصة - عند العرب - فما بالك إذا كان ذلك من النبي صاحب الخلق العظيم، والذي أتى إلى الناس بمكارم الأخلاق.
وإذا كان ذلك مما لا يصدقه أحد، ولا يسلم به عاقل، فإن الذي يقضى به العقل الصريح، ويحكم به المنطق الصحيح، أن النبي (ص) لم يخرج أبا هريرة من المدينة إلا لأسباب قوية، لا يمكن الصفح عنها، أو التسمح فيها!