منه 1600 دينار وقال له:
" والله ما بعثناكم لتتجروا بأموال المسلمين ".
وكان يقول لمن يتعلل بالتجارة في أحراز الأموال:
" إنما بعثناكم ولاة ولم نبعثكم تجارا " (1).
وقد يرد على ذلك: إذا كان أبو هريرة على ما وصفت من تاريخه فكيف يوليه عمر على البحرين؟ إنه لم يفعل ذلك إلا لان له شأنا وقدرا؟
والجواب عن ذلك ظاهر لا يحتاج إلى بيان، ذلك بأن سنة عمر في استعمال الولاة كانت تقضى بأن لا يستعمل كبار الصحابة، حتى لا يدنسهم بالعمل.
أو لكي يمسكهم بالمدينة ليكونوا بين يديه، حتى لا يخرجوا عليه وإنما يستعمل صغارهم كما ستعرف ذلك فيما بعد، فاستعمال أبي هريرة على هذه السنة لا يكون مستغربا، هذا ولا يتوهمن أحد، أو يظن إنسان أن عمر قد استعمله عن جهل به، أو نسيان لتاريخه، وكيف ينسى ما وقع له نفسه منه أيام كان يعيش في الصفة فقد كان يلاحقه في طريقه، ويضايقه في سيره، فلا يجد سبيلا إلى التخلص منه إلا بأن يدخل داره ويغلق الباب في وجهه (2)، وكان لا يخفى عليه أن النبي صلى الله عليه وآله قد أخرجه من المدينة بعد أن ظهر منه ما ظهر مما أضجر الناس منه.
فإذا كان عمر قد استعمله بعد كل ما بيناه ولم نبينه من تاريخه، فإنما يكون ذلك على ظن منه وأمل بأنه - بما قضى مع العلاء بن الحضرمي قرابة اثنتي عشرة سنة ملازما له في الصلاة، وبما شهد من أعماله الصالحة وأحكامه العادلة، قد يكون اكتسب شيئا من الدراية والخبرة، فيضطلع بأعباء الولاية كما يجب أن يكون عليه الوالي الصالح النزيه، وأنه سيأخذ نفسه بأن يجعل من العلاء قدوة صالحة له حتى لا يبدو عواره للناس إذا هو أعوج أو مال عن سيرة سلفه.