إليك من سير بعض أجلاء الصحابة ما تعرف منها الفرق بين النفس العالية الأبية، العفيفة المؤمنة الطاهرة، وبين غيرها ممن حرم هذه المزايا الغالية العاطرة.
سيرة حذيفة بن اليمان:
حذيفة بن اليمان من نجباء الصحابة، وصاحب سر النبي الذي أسر إليه بأسماء المنافقين (1).
ولاه عمر على المدائن، وكتب له عهدا قال فيه لأهل المدائن: اسمعوا له وأطيعوا وأعطوه ما سألكم، فخرج على حمار موكف، تحته زاده، فلما قدم المدائن، استقبله أعاظم الدهاقين (التجار) وبيده رغيف، وعرق من لحم.
ولما قرأ عليهم عهده، قالوا: سل ما شئت، قال: طعاما آكله، وعلف حماري هذا - ما دمت فيكم - من تبن. فأقام ما شاء الله، ثم كتب إليه عمر: أقدم، فلما بلغه قدومه، كمن له على الطريق - وكانت هذه عادته - فلما رآه على الحال التي خرج عليها، أتاه فالتزمه وقال: أنت أخي وأنا أخوك (2).
سلمان الفارسي،:
وإليك سطرين من تاريخ صحابي جليل آخر نعطر بها هذا الكتاب، ننقلهما عن حافظ المغرب ابن عبد البر - ذلكم هو سلمان الفارسي.
دخل قوم عليه - وهو أمير على المدائن - وهو يعمل الخوص، فقيل له:
- لم تعمل هذا وأنت أمير يجرى عليك رزق؟ فقال: إني أحب أن آكل من عمل يدي. وكان يشترى خوصا بدرهم فيعمله ويبيعه بثلاثة دراهم ينفق درهما ويتصدق بدرهمين.