وليس هناك من أسباب أقوى وأظهر مما بيناه.
هذا ومما لا ريب فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وهو الخبير بطبائع أصحابه، لو كان يعلم أن في أبي هريرة خيرا وفضلا، وأنه أهل لصحبته لأبقاه بجواره ليستضئ بنوره، كسائر أصحابه، ولكنه لما علم فيه أنه غير صالح لصحبته، أقصاه عن هذا النور النبوي، ولم يرض أن يظل منه قريبا.
ومن العجيب أننا لم نر النبي صلوات الله عليه قد صنع مع أحد من أصحابه جميعا حتى المنافقين منهم مثل ما صنع مع أبي هريرة، وبخاصة فإنه لم يخالفه في شئ، وإنما كان يبعث من يبعث من أصحابه إلى مختلف البلدان، إما ليعلموا الناس، أو ليكونوا ولاة عليها أو مصدقين فيها، أو رسلا وسفراء بينه وبين من يحكمونها كما بينا من قبل.
وثم أمر خطير وراء ذلك يعتبر بالغ الأهمية، وهو أقوى وأشد في نقيصة نهمه وشرهه، يستوجب ولا ريب نفور النبي منه، وعدم رضاه عنه، ذلك هو ما بدا من جبنه، وهلعه في غزوة مؤتة، التي تكلمنا عنها من قبل إذ فر منها وولى مدبرا عندما احتدم القتال، مما جعل الصحابة جميعا يزدرونه ويعيرونه بهذه الفعلة التي انفضح بها، ذلك بأن الشجاعة الحربية كانت أول صفة حميدة في العربي!! وقد قتل في هذه المعركة زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة.
ومثل هذا الجبان الرعديد لا يرضى به النبي صاحبا، ولا يقبل أن يكون له جارا، وهذا بديهي لا يقبل الجدل - وإنما يجب أن يقصيه عن صحبته، ويبعده عن جواره، بعد أن أصبح لا يصلح لا للعير ولا للنفير، وليس فيه خير لا قليل ولا كثير، وقد وقع هذا الاقصاء بعد أن بدا جبنه المزرى ببضعة أشهر، فقد كانت وقعة مؤتة في جمادى الأولى سنة 8 ه والاقصاء كان في ذي القعدة سنة 8 ه.
هذا ما انتهى إليه بحثنا عن الهوى وخرجنا منه بنتيجة صحيحة يبدو منها واضحا سر إبعاد النبي صلى الله عليه وآله لأبي هريرة عن المدينة إلى البحرين مع العلاء بن الحضرمي بعد أن لبث في الصفة سنة وتسعة أشهر!