حتى أمسى فاذهب إلى عزة فصرت به إلى منزلي فأقام عندي حتى كان العشاء ثم أرسلني إليها وأعطاني خاتمه وقال إذا سلمت فستخرج إليك جارية فادفع إليها خاتمي وأعلمها مكاني فجئت بيتها فسلمت فخرجت إلى الجارية فأعطيتها الخاتم فقالت أين الموعد قلت صخيرات أبى عبيدة الليلة فوعدته هناك فخرجت إليه فأعلمته فلما أمسى قال لي انهض بنا فنهضنا فجلسنا هناك نتحدث حتى جانب من الليل فجاءت فجلست فتحدثا فأطالا فذهبت لأقوم فقال لي إلى أين تذهب قلت أخليكما ساعة لعلكما تتحدثان ببعض ما تكتمان فقال لي اجلس فوالله ما كان بيننا شئ قط فجلست وهما يتحدثان حتى أسحرنا ثم قامت وانصرفت وقمت انا وهو فظل عندي حتى أمسى ثم انطلق.
وكان كثير بمصر وعزة بالمدينة فاشتاق إليها فسافر ليلقاها فصادفها في الطريق وهي متوجهة إلى مصر فجرى بينهما كلام طويل الشرح ثم انها انفصلت عنه وقدمت مصر ثم عاد كثير إلى مصر فوافاها والناس منصرفون عن جنازتها فأتى قبرها وأناخ راحلته ومكث ساعة ثم رحل وهو يقول أبياتا منها:
أقول ونضوى واقف عند قبرها * عليك سلام الله والعين تسفح وقد كنت أبكي من فراقك حيه * وأنت لعمري اليوم أنأى وأنزح ولكثير مع عزة أخبار كثيرة اقتصرنا منها على هذا المقدار خشية من الإطالة.
وكان كثير شيعيا شديد التشيع وكان آل مروان يعلمون بمذهبه فلا يغيرهم ذلك له لجلالته في عيونهم ولطف محله في أنفسهم.
وحدث ابن قتيبة قال بلغني ان كثيرا دخل على عبد الملك بن مروان فسأله عن شئ فأخبره به فقال أو حق علي بن أبي طالب انه كما ذكرت فقال يا أمير المؤمنين لو سألتني بحقك لصدقتك قال لا أسألك إلا بحق أبى تراب فحلف له به فرضى ولما عزم عبد الملك على الخروج إلى حرب الزبير أنشدته زوجته عاتكة بنت يزيد بن معاوية ان لا يخرج بنفسه ويبعث غيره فأبى فلم تزل تلح عليه