الفصول في الأصول - الجصاص - ج ١ - الصفحة ٣٠٢
لقوله تعالى تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق (1) وكقوله تعالى (2) تقتلوا أنفسكم (3) وقوله تعالى تظلموا فيهن أنفسكم (4) معارضا لقوله تعالى يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا (5) لأن دلالة الآية الأولى تقتضي إباحة الظلم فيما عدا الأشهر الحرم والآية الأخرى تحظر الظلم في (6) سائر الأحوال وليس ذلك كتخصيص العموم لأن إحدى الآيتين في هذا ترفع دلالة الأخرى رأسا ولا يكون ذلك إلا على (7) وجه النسخ ولا خلاف بين الأمة أنه ليس في شئ من هذه الآيات نسخ فدل على بطلان هذا الأصل وأيضا لو (8) كان ما ذكره من ذلك معقولا من اللفظ لكان أولى الناس بأن لا يخفى عليهم وجهته أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد تكلموا في أحكام الحوادث وتناظروا فيها وحاج فيها بعضهم بعضا تارة بالعموم وتارة بأخبار الآحاد وتارة بالنظر والمقايسة (9) ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه (10) حاج صاحبه بهذا الضرب من الحجاج أو (11) استدل عليه بمثله فكيف (12) أغفلوا ذلك وخفي عليهم موضعه وهو معنى معقول من لغتهم (13) ومفهوم من (14) ظاهر خطابهم في زعم المخالف وقد اختلفوا في نفقة المبتوتة فقال عظم الصحابة لها النفقة وأبى ذلك آخرون (15) منهم (1) فكيف لم يحتج نافقوها قبل بقوله تعالى كن أولات (2) حمل فأنفقوا عليهن

(١) الآية ١٥١ من سورة الأنعام.
(٢) لم ترد هذه الزيادة في د.
(٣) الآية ٢٩ من سورة النساء.
(٤) الآية ٣٦ من سورة التوبة.
(٥) الآية ١٩ من سورة الفرقان.
(٦) في ح " من ".
(٧) لم ترد هذه الزيادة في ح.
(٨) في ح " فلو ".
(٩) لفظ د " المقائس ".
(١٠) في ح " ان ".
(١١) في ح " و ".
(١٢) في د " وكيف ".
(١٣) لفظ ح " لغاتهم ".
(١٤) في د " في ".
(١٥) يروى عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم في المطلقة ثلاثا قال: " ليس لها سكنى ولا نفقة " رواه أحمد ومسلم وفي رواية " طلقني زوجي فلم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة " رواه أحمد ومسلم وفي رواية " طلقني زوجي فلم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنى ولا نفقة " رواه الجماعة إلا البخاري.
استدل بهذا الحديث وغيره من قال إن المطلقة بائنا لا تستحق على زوجها شيئا من النفقة والسكنى، وقد ذهب إلى ذلك احمد واسحق وأبو ثور وداود واتباعهم، وحكامه في البحر عن ابن عباس والحسن البصري وعطاه.
والشعبي وابن أبي ليلى والأوزاعي والامامية والقاسم. وذهب الجمهور إلى أنه لا نفقة لها ولها السكنى.
واحتجوا لاثبات السكنى بقوله تعالى " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم " ولا سقطا النفقة بمفهوم قوله تعالى " وإن كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن " فان مفهومه ان غير الحامل لا نفقة لها.
وذهب عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز والثوري وأهل الكوفة من الحنفية وغيرهم والناصر والامام يحيى إلى وجوب النفقة والسكنى، واستدلوا بقوله تعالى: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن " فان آخر الآية وهو النهي عن اخراجهن يدل على وجوب النفقة والسكنى. وراجع تفصيل ذلك ونصرة المذاهب الأول عند الشوكاني في نيل الأوطار ٦ / 341.
(٣٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 ... » »»
الفهرست