الثاني: أن المعلول عين الربط بالعلة وأنه يتولد منها ومرتبة من مراتب وجودها النازلة هذا إضافة إلى أن حقيقة الحركة حدوث بعد حدوث بنحو الاتصال وكل مرحلة من مراحلها حدوث جديد وتغير عقيب تغير وعليه فإذا أمكن أن تستمر الحركة بقاء بدون علة مباشرة فبالامكان أن تحدث الحركة بدون علة وأن توجد الأشياء بلا سبب باعتبار أن استمرار الحركة في كل آن يحتوي على حدوث جديد دائما ونتيجة ذلك تحرير الحدوث من العلة وهو كما ترى.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن هذه النظرية أسرفت في تحديد مبدأ العلية من حيث البداية والنهاية أما من حيث البداية فعلى ضوء نظرية الفلاسفة من أن وجود الممكن غير مسبوق بالعدم فإنه لا يحتاج إلى العلة لأن سبب الحاجة إليها الحدوث ولا حدوث له فإذن يكون في غنى عنها فإذا كان في غنى فهو واجب الوجود وهذا من انقلاب الممكن إلى الواجب وهو كما ترى وأما من حيث النهاية فلأن سر حاجة الأشياء إلى العلة لو كان حدوثها يعني وجوده الأول فلازم ذلك أنها واجبة الوجود بقاء باعتبار أنها مستغنية عن العلة ولا يغني بالواجب الوجود إلا ذلك ونتيجة هذا هي انقلاب الممكن إلى الواجب وهو مستحيل بل إن هذه النظرية في نفسها غير معقولة وذلك لأن الوجود الأول للممكن على ضوء هذه النظرية هو المعلول للعلة فإذا كان معلولا لها فهو عين الربط والتعلق بها كالمعنى الحرفي وعلى هذا فلو كان وجوده الثاني مستغنيا عن العلة فهو كالمعنى الاسمي وواجب الوجود وهذا في نفسه غير معقول لأن معنى ذلك أن الممكن في وجوده الأول المسمى بالحدوث بحاجة إلى علة ومربوط بها ذاتا وحقيقة وفي وجوده الثاني غني بالذات ونتيجة ذلك انقلاب الممكن إلى الواجب بالذات بقاء وكون وجوده