مكلف يعلم اجمالا بالابتلاء بقسم من الأحكام الشرعية في ظرفها، وهذا العلم الاجمالي مانع عن جريان الأصول النافية في أطرافه، لأن جريانها في الجميع لا يمكن لاستلزامه الترخيص في المخالفة القطعية العملية وجريانها في البعض دون الآخر ترجيح من غير مرجح فلا محالة تسقط فيكون العلم الاجمالي منجزا ومعه يستقل العقل بوجوب التعلم والفحص.
الثاني: أن ما دل من الآيات والروايات على وجوب التعلم والمعرفة كقوله تعالى: ﴿فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾ (1). وقوله (عليه السلام): هلا تعلمت (2) وما شابه ذلك وارد في مورد هذا الاستصحاب، وحيث إن في غالب الموارد لا يعلم الإنسان بل لا يطمئن بالابتلاء، ففي تلك الموارد إذا جرى الاستصحاب لم يبق تحت هذه العمومات والمطلقات إلا الموارد النادرة، وهذا من تقييد المطلق بالفرد النادر فلا يمكن الالتزام به، ونظير ذلك ما ذكره (قدس سره) في بحث الاستصحاب في وجه تقديم قاعدة الفراغ والتجاوز عليه (3).
ويمكن المناقشة في كلا الأمرين:
أما في الأمر الأول: فيرد عليه أولا أنه لا يتم مطلقا حتى فيما إذا فرض غفلة المكلف نهائيا عن هذا العلم الاجمالي، فإنه في هذا الفرض لا مانع من تمسكه بهذا الاستصحاب، حيث لا يلزم منه المحذور المزبور، إذ مع الغفلة لا وجود للعلم الاجمالي حتى يكون مؤثرا.