الإرادة فعلية وموجودة في أفق النفس بتمام مبادئها والمراد استقباليا، لأنه من انفكاك المعلول عن العلة التامة، وعلى هذا فإذا اتصف الفعل بالملاك في مرحلة المبادئ وحصلت الإرادة للمولى، فلا تنفك عن الايجاب والبعث نحو الفعل في الخارج.
الثانية: أن الإرادة التشريعية التي هي عبارة عن أمر المولى عبده بفعل ما وإيجابه لا تنفك عن المراد، فإن حقيقة الأمر من قبل المولى هو إيجاد الداعي والباعث في نفس المكلف، ومن المعلوم أنه لا ينفك عن الانبعاث والتحرك، لأنهما متضايفان والمتضايفان متقابلان في القوة والفعل، ومن الواضح أن الانبعاث والتحرك بالفعل نحو أمر استقبالي مستحيل واستحالته تستلزم استحالة الداعوية والباعثية، ولازم ذلك استحالة البعث والتحريك نحو فعل في المستقبل هذا.
وأجاب المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) عن الصيغة الأولى وحاصل جوابه، المنع عن استحالة انفكاك المراد عن الإرادة التكوينية، فإنها مرتبة مؤكدة من الشوق في أفق النفس المحرك للعضلات نحو المراد، فإذا حصل هذا الشوق في عالم النفس كان مؤثرا شريطة أن تكون قابلية القابل متحققة، كما إذا كان الفعل المشتاق إليه مقارنا للإرادة، فإنه حينئذ تحقق بها خارجا، وأما إذا كان مقيدا بزمان استقبالي فلا يتحقق إلا أن يأتي ذلك الزمان، وهذا ليس من جهة قصور في الإرادة لأنها تامة بل لعدم قابلية القابل (1).
والخلاصة أن الإرادة كما تتعلق بأمر مقارن كذلك تتعلق بأمر متأخر، ولا فرق بين الإرادتين من حيث بلوغها مرتبة الكمال، ومن هنا إذا تعلقت