ولم يقض شئ من الأدلة الشرعية بوجوب تحصيل شئ آخر وراء ذلك، بل الأدلة الشرعية قائمة على خلاف ذلك، إذ لم يبن الشريعة من أول الأمر على وجوب تحصيل كل من الأحكام الواقعية على سبيل القطع واليقين، ولم يقع التكليف به حين انفتاح سبيل العلم بالواقع، وفي ملاحظة طريقة السلف من زمن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) كفاية في ذلك، إذ لم يوجب النبي (صلى الله عليه وآله) على جميع من في بلده من الرجال والنسوان السماع منه في تبليغ الأحكام، أو حصول التواتر لآحادهم بالنسبة إلى آحاد الأحكام، أو قيام القرينة القاطعة على عدم تعمد الكذب أو الغلط في الفهم أو في سماع اللفظ بالنظر إلى الجميع، بل لو سمعوه من الثقة اكتفوا به (1)، انتهى.
ثم شرع في إبطال دعوى حصول العلم بقول الثقة مطلقا، إلى أن قال:
فتحصل مما قررناه: كون العلم الذي هو مناط التكليف أولا هو العلم بالأحكام من الوجه المقرر لمعرفتها والوصول إليها، والواجب بالنسبة إلى العمل هو أداؤه على وجه يقطع معه بتفريغ الذمة في حكم الشرع، سواء حصل العلم بأدائه على طبق الواقع أو على طبق الطريق المقرر من الشارع وإن لم يعلم ولم يظن بمطابقتها للواقع.
وبعبارة أخرى: لا بد من المعرفة بالتكليف، وأداء المكلف به على وجه اليقين أو على وجه منته إلى اليقين، من غير فرق بين الوجهين، ولا ترتيب بينهما.