مقالتك يا عمر " فقال " فيختلف أهل السماء وإن يختلف أهل السماء يختلف أهل الأرض " فتحاكما إلى إسرافيل فقضى بينهما أن الحسنات والسيئات من الله. ثم أقبل على أبي بكر وعمر فقال " احفظا قضائي بينكما لو أراد الله أن لا يعصى لما خلق إبليس ". قال شيخ الاسلام تقي الدين أبو العباس ابن تيمية هذا حديث موضوع مختلق باتفاق أهل المعرفة، ثم قال تعالى مخاطبا لرسوله صلى الله عليه وسلم والمراد جنس الانسان ليحصل الجواب " ما أصابك من حسنة فمن الله " أي من فضل الله ومنته ولطفه ورحمته " وما أصابك من سيئة فمن نفسك " أي فمن قبلك ومن عملك أنت كما قال تعالى " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " قال السدي والحسن البصري وابن جريج وابن زيد " فمن نفسك " أي بذنبك وقال قتادة في الآية " فمن نفسك " عقوبة لك يا ابن آدم بذنبك.
قال: وذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يصيب رجلا خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله أكثر " وهذا الذي أرسله قتادة قد روي متصلا في الصحيح " والذي نفسي بيده لا يصيب المؤمن هم ولا حزن ولا نصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله عنه بها من خطاياه " وقال أبو صالح " وما أصابك من سيئة فمن نفسك " أي بذنبك وأنا الذي قدرتها عليك رواه ابن جرير وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عمار حدثنا سهل بن بكار حدثنا الأسود بن شيبان حدثني عقبة بن واصل ابن أخي مطرف عن مطرف بن عبد الله قال: ما تريدون من القدر أما تكفيكم الآية التي في سورة النساء " وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك " أي من نفسك والله ما وكلوا إلى القدر وقد أمروا وإليه يصيرون وهذا كلام متين قوي في الرد على القدرية والجبرية أيضا ولبسطه موضع آخر وقوله تعالى " وأرسلناك للناس رسولا " أي تبلغهم شرائع الله وما يحبه الله ويرضاه وما يكرهه ويأباه " وكفى بالله شهيدا " أي على أنه أرسلك وهو شهيد أيضا بينك وبينهم وعالم بما تبلغهم إياه وبما يردون عليك من الحق كفرا وعنادا.
من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا (80) ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا (81) يخبر تعالى عن عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأن من أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله وما ذاك إلا لأنه ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني " وهذا الحديث ثابت في الصحيحين عن الأعمش به. وقوله " ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا " أي ما عليك منه إن عليك إلا البلاغ فمن اتبعك سعد ونجا وكان لك من الاجر نظير ما حصل له ومن تولى عنك خاب وخسر وليس عليك من أمره شئ كما جاء في الحديث " من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه " وقوله " ويقولون طاعة " يخبر تعالى عن المنافقين بأنهم يظهرون الموافقة والطاعة " فإذا برزوا من عندك " أي خرجوا وتواروا عنك " بيت طائفة منهم غير الذي تقول " أي استسروا ليلا فيما بينهم ما أظهروه لك فقال تعالى " والله يكتب ما يبيتون " أي يعلمه ويكتبه عليهم بما يأمر به حفظته الكاتبين الذين هم موكلون بالعباد والمعنى في هذا التهديد أنه تعالى يخبر بأنه عالم بما يضمرونه ويسرونه فيما بينهم وما يتفقون عليه ليلا من مخالفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعصيانه وإن كانوا قد أظهروا له الطاعة والموافقة وسيجزيهم على ذلك كما قال تعالى " ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا " الآية وقوله " فأعرض عنهم " أي اصفح عنهم وأحلم عليهم ولا تؤاخذهم ولا تكشف أمورهم للناس ولا تخف منهم أيضا " وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا " أي كفى به وليا وناصرا ومعينا لمن توكل عليه وأناب إليه.