" الرحمن الرحيم " اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة ورحمن أشد مبالغة من رحيم وفي كلام ابن جرير ما يفهم منه حكاية الاتفاق على هذا وفي تفسير بعض السلف ما يدل على ذلك كما تقدم في الأثر عن عيسى عليه السلام أنه قال: والرحمن رحمن الدنيا والآخرة والرحيم رحيم الآخرة. زعم بعضهم أنه غير مشتق إذ لو كان كذلك لا تصل بذكر المرحوم وقد قال " وكان بالمؤمنين رحيما " وحكى ابن الأنباري في الزاهر عن المبرد أن الرحمن اسم عبراني ليس بعربي وقال أبو إسحق الزجاج في معاني القرآن: وقال أحمد بن يحيى الرحيم عربي والرحمن عربي فلهذا جمع بينهما قال أبو إسحق وهذا القول مرغوب عنه وقال القرطبي والدليل على أنه مشتق ما خرجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " قال الله تعالى أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعهما قطعته " قال وهذا نص في الاشتقاق فلا معنى للمخالفة والشقاق، قال وإنكار العرب لاسم الرحمن لجهلهم بالله وبما وجب له. قال القرطبي: ثم قيل هما بمعني واحد كندمان ونديم. قاله أبو عبيد وقيل ليس بناء فعلان كفعيل فإن فعلان لا يقع إلا على مبالغة الفعل نحو قولك رجل غضبان للرجل الممتلئ غضبا وفعيل قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول قال أبو علي الفارسي الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى والرحيم إنما هو من جهة المؤمنين. قال الله تعالى " وكان بالمؤمنين رحيما " وقال ابن عباس هما إسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر أي أكثر رحمة، ثم حكي عن الخطابي وغيره أنهم استشكلوا هذه الصفة وقالوا لعله أرفق كما في الحديث " إن الله رفيق يحب الرفق في الامر كله وأنه يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف " وقال ابن المبارك الرحمن إذا سئل أعطى والرحيم إذا لم يسأل يغضب وهذا كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجة من حديث أبي صالح الفارسي الخوزي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لم يسأل الله يغضب عليه " وقال بعض الشعراء:
الله يغضب إن تركت سؤاله * وبني آدم حين يسأل يغضب وقال ابن جرير حدثنا السرى بن يحيى التميمي حدثنا عثمان بن زفر سمعت العزرمي يقول الرحمن الرحيم قال الرحمن لجميع الخلق الرحيم قال بالمؤمنين قالوا ولهذا قال " ثم استوى على العرش الرحمن " وقال " الرحمن على العرش استوى " فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته وقال وكان بالمؤمنين رحيما فخصهم باسمه الرحيم قالوا فدل على أن الرحمن أشد مبالغة في الرحمن لعمومها في الدارين لجميع خلقه والرحيم خاصة بالمؤمنين لكن جاء في الدعاء المأثور رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما واسمه تعالى الرحمن خاص به لم يسم به غيره كما قال تعالى " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى " وقال تعالى " واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون " ولما تجهرم مسيلمة الكذاب وتسمى برحمان اليمامة كساه الله جلباب الكذب وشهر به فلا يقال إلا مسيلمة الكذاب فصار يضرب به المثل في الكذب بين أهل الحضر من أهل المدر وأهل الوبر من أهل البادية والاعراب.
وقد زعم بعضهم أن الرحيم أشد مبالغة من الرحمن لأنه أكد به والمؤكد لا يكون إلا أقوى من المؤكد. والجواب أن هذا ليس من باب التأكيد وإنما هو من باب النعت ولا يلزم فيه ما ذكروه وعلى هذا فيكون تقدير اسم الله الذي لم يسم به أحد غيره ووصفه أولا بالرحمن الذي منع من التسمية به لغيره كما قال تعالى " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى " وإنما تجهرم مسيلمة اليمامة في التسمي به ولم يتابعه على ذلك إلا من كان معه في الضلالة. وأما الرحيم فإنه تعالى وصف به غيره حيث قال " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " كما وصف غيره بذلك من أسمائه كما قال تعالى " إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا " والحاصل أن من أسمائه تعالى ما يسمى به غيره ومنها ما لا يسمى به غيره كاسم الله والرحمن والخالق والرزاق ونحو ذلك فلهذا بدأ باسم الله ووصفه بالرحمن لأنه أخص وأعرف من الرحيم