خلافه وصبره على قذفه إياه في النار ليحرقوه في الله على هول ذلك من أمرهم والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده في الله حين أمره بالخروج عنهم وما أمره به من الضيافة والصبر عليها بنفسه وماله وما ابتلى به من ذبح ابنه حين أمره بذبحه فلما مضى على ذلك كله وأخلصه للبلاء قال الله له " أسلم قال أسلمت لرب العالمين " على ما كان من خلاف الناس وفراقهم. وقال ابن أبي حاتم أخبرنا أبو سعيد الأشج أخبرنا إسماعيل بن علية عن أبي رجاء عن الحسن يعني البصري " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " قال ابتلاه بالكوكب فرضي عنه وابتلاه بالقمر فرضي عنه وابتلاه بالشمس فرضي عنه وابتلاه بالهجرة فرضي عنه وابتلاه بالختان فرضي عنه وابتلاه بابنه فرضي عنه. وقال ابن جرير أخبرنا بشر بن معاذ أخبرنا يزيد بن زريع أخبرنا سعيد عن قتادة قال كان الحسن يقول: أي والله لقد ابتلاه بأمر فصبر عليه - ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر فأحسن في ذلك وعرف أن ربه دائم لا يزول فوجه وجهه للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما كان من المشركين ثم ابتلاه بالهجرة فخرج من بلاده وقومه حتى لحق بالشام مهاجرا إلى الله ثم ابتلاه بالنار قبل الهجرة فصبر على ذلك وابتلاه الله بذبح ابنه والختان فصبر على ذلك وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عمن سمع الحسن يقول في قوله " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال ابتلاه الله بذبح ولده وبالنار والكوكب والقمر والشمس وقال: أبو جعفر بن جرير أخبرنا ابن بشار أخبرنا سلم بن قتيبة أخبرنا أبو هلال عن الحسن " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر فوجده صابرا:
وقال العوفي في تفسيره عن ابن عباس " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " فمنهن " قال إني جاعلك للناس إماما " ومنهن " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل " ومنهن الآيات في شأن المنسك والمقام الذي جعل لإبراهيم والرزق الذي رزق ساكنو البيت ومحمد بعث في دينهما: وقال: ابن أبي حاتم أخبرنا الحسن بن محمد بن الصباح أخبرنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " قال الله لإبراهيم إني مبتليك بأمر فما هو؟ قال: تجعلني للناس إماما؟ قال: نعم قال: ومن ذريتي؟
" قال لا ينال عهدي الظالمين " قال: تجعل البيت مثابة للناس؟ قال: نعم قال: وأمنا؟ قال نعم: قال وتجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك قال: نعم قال: وترزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله؟ قال نعم:
قال ابن أبي نجيح سمعته من عكرمة فعرضته على مجاهد فلم ينكره وهكذا رواه ابن جرير من غير وجه عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وقال سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " قال ابتلي بالآيات التي بعدها " إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين " وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال الكلمات " إني جاعلك للناس إماما " وقوله " وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل " الآية. قوله " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل " الآية. قال فذلك كله من الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم وقال السدي الكلمات التي ابتلى بهن إبراهيم ربه " ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم * ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك... ربنا وابعث فيهم رسولا منهم " وقال القرطبي: وفي الموطأ وغيره عن يحيى ابن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إبراهيم عليه السلام أول من اختتن وأول من ضاف الضيف وأول من قلم أظفاره وأول من قص الشارب وأول من شاب فلما رأى الشيب قال: يا رب ما هذا؟ قال وقار قال: يا رب زدني وقارا وذكر ابن أبي شيبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه قال أول من خطب على المنابر إبراهيم عليه السلام قال غيره وأول من برد البريد وأول من ضرب بالسيف وأول من استاك وأول من استنجى بالماء وأول من لبس السراويل وروي عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أتخذ المنبر فقد اتخذه أبي إبراهيم وأن اتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم " " قلت ": هذا الحديث لا يثبت والله أعلم ثم شرع القرطبي يتكلم على ما يتعلق بهذه الأشياء من الأحكام الشرعية.
قال أبو جعفر بن جرير ما حاصله أنه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر وجائز أن يكون بعض ذلك ولا يجوز