فعاذت منه فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأرض وخلط ولم يأخذ من مكان واحد وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء فلذلك خرج بنو آدم مختلفين فصعد به قبل التراب حتى عاد طينا لازبا واللازب هو الذي يلتزق بعضه ببعض ثم قال للملائكة " إني خالق بشرا من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " فخلقه الله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه ليقول له تتكبر عما عملت بيدي ولم أتكبر أنا عنه بخلقه بشرا، فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه فكان أشدهم فزعا منه إبليس فكان يمر به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار يكون له صلصلة فذلك حين يقول " من صلصال كالفخار " ويقول لأمر ما خلقت، ودخل من فيه فخرج من دبره، وقال للملائكة لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا أجوف لئن سلطت عليه لأهلكنه، فلما بلغ الحين الذي يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس فقالت الملائكة قل الحمد لله فقال، فقال له الله " يرحمك الله " فلما دخلت الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة فلما دخل الروح إلى جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة فذلك حين يقول الله تعالى " خلق الانسان من عجل " فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين، أبى واستكبر وكان من الكافرين، قال الله له ما منعك أن تسجد إذ أمرتك لما خلقت بيدي؟ قال أنا خير منه لم أكن لأسجد لبشر خلقته من طين، قال الله له " اخرج منها فما يكون لك " يعنى ما ينبغي لك " أن تتكبر فيها فأخرج إنك من الصاغرين " والصغار هو الذل قال " وعلم آدم الأسماء كلها " ثم عرض الخلق على الملائكة " فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين " أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، فقالوا " سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم " قال الله يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " قال: قولهم " أتجعل فيها من يفسد فيها " فهذا الذي أبدوا " وأعلم ما تكتمون " يعني ما أسر إبليس في نفسه من الكبر، فهذا الاسناد إلى هؤلاء الصحابة مشهور في تفسير السدي ويقع فيه إسرائيليات كثيرة فلعل بعضها مدرج ليس من كلام الصحابة أو أنهم أخذوه من بعض الكتب المتقدمة والله أعلم. والحاكم يروي في مستدركه بهذا الاسناد بعينه أشياء ويقول على شرط البخاري.
والغرض أن الله تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم دخل إبليس في خطابهم لأنه وإن لم يكن من عنصرهم إلا أنه كان قد تشبه بهم وتوسم بأفعالهم، فلهذا دخل في الخطاب لهم وذم في مخالفة الامر، وسنبسط المسألة إن شاء الله تعالى عند قوله " إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه " ولهذا قال: محمد بن إسحاق عن خلاد بن عطاء عن طاوس عن ابن عباس قال: كان إبليس قبل أن يركب المعصية من الملائكة اسمه عزازيل وكان من سكان الأرض، وكان من أشد الملائكة اجتهادا، وأكثرهم علما، فذلك دعاه إلى الكبر، وكان من حي يسمون جنا. وفي رواية عن خلاد عن عطاء عن طاوس أو مجاهد عن ابن عباس أو غيره بنحوه. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد يعني ابن العوام عن سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:
كان إبليس اسمه عزازيل، وكان من أشراف الملائكة من ذوي الأجنحة الأربعة، ثم أبلس بعد وقال سنيد: عن حجاج عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: كان إبليس من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلة، وكان خازنا على الجنان، وكان له سلطان سماء الدنيا، وكان له سلطان على الأرض، وهكذا روى الضحاك وغيره عن ابن عباس سواء. وقال صالح مولى التوأمة عن ابن عباس: إن من الملائكة قبيلا يقال لهم الجن، وكان إبليس منهم، وكان يوسوس ما بين السماء والأرض فعصى فمسخه الله شيطانا رجيما، رواه ابن جرير. وقال قتادة عن سعيد بن المسيب: كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا. وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار حدثنا عدي بن أبي عدي عن عوف عن الحسن قال: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط وإنه لأصل الجن كما أن آدم أصل الانس،