فأول من سكن الأرض الجن فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء وقتل بعضهم بعضا، قال فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة وهم هذا الحي الذي يقال لهم الجن فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال فلما فعل إبليس ذلك اغتر في نفسه فقال قد صنعت شيئا لم يصنعه أحد قال فاطلع الله على ذلك من قلبه ولم تطلع عليه الملائكة الذين كانوا معه فقال الله تعالى للملائكة الذين كانوا معه: " إني جاعل في الأرض خليفة " فقالت الملائكة مجيبين له: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء كما أفسدت الجن وسفكت الدماء وإنما بعثتنا عليهم لذلك؟ فقال الله تعالى " إني أعلم ما لا تعلمون "، يقول إني قد اطلعت على قلب إبليس على ما لم تطلعوا عليه من كبره واغتراره قال ثم أمر بتربة آدم فرفعت فخلق الله آدم من طين لازب واللازب اللازج الطيب من حمأ مسنون منتن وإنما كان حمأ مسنونا بعد التراب فخلق منه آدم بيده قال فمكث أربعين ليلة جسدا ملقى وكان إبليس يأتيه فيضربه برجله فيصلصل فيصوت فهو قول الله تعالى " من صلصال كالفخار " يقول كالشئ المنفرج الذي ليس بمصمت قال ثم يدخل في فيه ويخرج من دبره ويدخل من دبره ويخرج من فيه ثم يقول لست شيئا للصلصلة ولشئ ما خلقت ولئن سلطت عليك لأهلكنك ولئن سلطت علي لأعصينك. قال فلما نفخ الله فيه من روحه أتت النفخة من قبل رأسه فجعل لا يجري شئ منها في جسده إلا صار لحما ودما فلما انتهت النفخة إلى سرته نظر إلى جسده فأعجبه ما رأى من جسده فذهب لينهض فلم يقدر فهو قول الله تعالى " وخلق الانسان عجولا " قال ضجرا لا صبر له على سراء ولا ضراء، قال: فلما تمت النفخة في جسده عطس فقال " الحمد لله رب العالمين " بإلهام الله فقال الله له " يرحمك الله يا آدم " قال ثم قال تعالى: للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السماوات اسجدوا لآدم فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس أبى واستكبر لما كان حدث نفسه من الكبر والاغترار فقال لا أسجد له وأنا خير منه وأكبر سنا وأقوى خلقا خلقتني من نار وخلقته من طين يقول إن النار أقوى من الطين قال فلما أبى إبليس أن يسجد أبلسه الله أي آيسه من الخير كله وجعله شيطانا رجيما عقوبة لمعصيته ثم علم آدم الأسماء كلها وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس إنسان ودابة وأرض وسهل وبحر وجبل وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها ثم عرض هذه الأسماء على أولئك الملائكة يعني الملائكة الذين كانوا مع إبليس الذين خلقوا من نار السموم وقال لهم " أنبئوني بأسماء هؤلاء " أي يقول أخبروني بأسماء هؤلاء " إن كنتم صادقين " إن كنتم تعلمون لم أجعل في الأرض خليفة، قال: فلما علمت الملائكة موجدة الله عليهم فيما تكلموا به من علم الغيب الذي لا يعلمه غيره الذي ليس لهم به علم " قالوا سبحانك " تنزيها لله من أن يكون أحد يعلم الغيب غيره تبنا إليك " لا علم لنا إلا ما علمتنا " تبريا منهم من علم الغيب إلا ما علمتنا كما علمت آدم فقال " يا آدم أنبئهم بأسمائهم " يقول أخبرهم " بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم " قال " ألم أقل لكم " أيتها الملائكة خاصة " إني أعلم غيب السماوات والأرض " ولا يعلم غيري " وأعلم ما تبدون " يقول ما تظهرون " وما كنتم تكتمون " يقول أعلم السر كما أعلم العلانية يعني ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والاغترار هذا سياق غريب وفيه أشياء فيها نظر يطول مناقشتها وهذا الاسناد إلى ابن عباس يروى به تفسير مشهور وقال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش فجعل إبليس على ملك السماء الدنيا وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن وإنما سموا الجن لأنهم خزان الجنة وكان إبليس مع ملكه خازنا فوقع في صدره، وقال: ما أعطاني الله هذا إلا لمزية لي على الملائكة فلما وقع ذلك الكبر في نفسه اطلع الله على ذلك فقال الله للملائكة " إني جاعل في الأرض خليفة " فقالوا ربنا وما يكون ذلك الخليفة؟ قال يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا قالوا " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال " إني أعلم ما لا تعلمون " يعني من شأن إبليس. فبعث الله جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها فقالت الأرض إني أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تشينني فرجع ولم يأخذ، وقال يا رب إنها عاذت بك فأعذتها، فبعث ميكائيل فعاذت منه فعاذها، فرجع فقال كما قال جبريل فبعث ملك الموت
(٧٩)