الصفة الثالثة: كمية ذلك القيام، روى عنه عليه السلام أنه قال: " يقوم الناس مقدار ثلثمائة سنة من الدنيا لا يؤمر فيهم بأمر " وعن ابن مسعود: " يمكثون أربعين عاما ثم يخاطبون " وقال ابن عباس: وهو في حق المؤمنين كقدر انصرافهم من الصلاة.
واعلم أنه سبحانه جمع في هذه الآية أنواعا من التهديد، فقال أولا: * (ويل للمطففين) * (المطففين: 1) وهذه الكلمة تذكر عند نزول البلاء، ثم قال ثانيا: * (ألا يظن أولئك) * وهو استفهام بمعنى الإنكار، ثم قال ثالثا: * (ليوم عظيم) * والشيء الذي يستعظمه الله لا شك أنه في غاية العظمة، ثم قال رابعا: * (يوم يقوم الناس لرب العالمين) * وفيه نوعان من التهديد أحدهما: كونهم قائمين مع غاية الخشوع ونهاية الذلة والانكسار والثاني: أنه وصف نفسه بكونه ربا للعالمين، ثم ههنا سؤال وهو كأنه قال قائل: كيف يليق بك مع غاية عظمتك أي تهئ هذا المحفل العظيم الذي هو محفل القيلة لأجل الشيء الحقير الطفيف؟ فكأنه سبحانه يجيب، فيقول عظمة الإلهية لا تتم إلا بالعظمة في القدرة والعظمة في الحكمة، فعظمة القدرة ظهرت بكوني ربا للعالمين، لكن عظمة الحكمة لا تظهر إلا بأن انتصف للمظلوم من الظالم بسبب ذلك القدر الحقير الطفيف، فإن الشيء كلما كان أحقر وأصغر كان العلم الواصل إليه أعظم وأتم، فلأجل إظهار العظمة في الحكمة أحضرت خلق الأولين والآخرين في محفل القيامة، وحاسبت المطفف لأجل ذلك القدر الطفيف. وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري: لفظ المطفف يتناول التطفيف في الوزن والكيل، وفي إظهار العيب وإخفائه، وفي طلب الإنصاف والانتصاف، ويقال: من لم يرض لأخيه المسلم ما يرضاه لنفسه، فليس بمنصب والمعاشرة والصحبة من هذه الجملة، والذي يرى عيب الناس، ولا يرى عيب نفسه من هذه الجملة، ومن طلب حق نفسه من الناس، ولا يعطيهم حقوقهم كما يطلبه لنفسه، فهو من هذه الجملة والفتى من يقضي حقوق الناس ولا يطلب من أحد لنفسه حقا.
قوله تعالى * (كلا إن كتاب الفجار لفى سجين * ومآ أدراك ما سجين * كتاب مرقوم * ويل يومئذ للمكذبين * الذين يكذبون بيوم الدين * وما يكذب به إلا كل معتد أثيم * إذا تتلى عليه ءاياتنا