للطاغين مآبا (22) لابثين فيها أحقابا (23) (المسألة الرابعة) دلت الآية على أن جهنم كانت مخلوقة لقوله تعالى (إن جهنم كانت مرصادا) أي معدة، وإذا كان كذلك كانت الجنة أيضا كذلك، لأنه لا قائل بالفرق.
(وثانيها) قوله (للطاغين مآبا) وفيه جهان: إن قلنا إنه مرصاد للكفار كان قوله (للطاغين) من تمام ما قبله، والتقدير إن جهنم كانت مرصادا للطاغين، ثم قوله (مآبا) بدل من قوله (مرصادا) وإن قلنا بأنها كانت مرصادا مطلقا للكفار وللمؤمنين، كان قوله (إن جهنم كانت مرصادا) كلاما تاما، وقوله (للطاغين مآبا) كلام مبتدأ قيل إن جهنم مرصاد للكل، ومآب للطاغين خاصة، ومن ذهب إلى القول الأول لم يقف على قوله مرصادا أما من ذهب إلى القول الثاني وقف عليه، ثم يقول المراد بالطاغين من تكبر على ربه وطغى في مخالفته ومعارضته، وقوله (مآبا) أي مصيرا ومقرا.
(وثالثها) قوله (لابثين فيها أحقابا) اعلم أنه تعالى لما بين أن جهنم مآب للطاغين، بين كمية استقرارهم هناك، فقال (لابثين فيها أحقابا) وههنا مسائل:
(المسألة الأولى) قرأ الجمهور (لابثين) وقرأ حمزة لبثين وفيه وجهان قال الفراء هما بمعنى واحد يقال لابث ولبث، مثل طامع. وطمع، وقار، وفره وهو كثير، وقال صاحب الكشاف واللبث أقوى لان اللابث من وجد منه الليث، ولا يقال لبث إلا لمن شأنه اللبث، وهو أن يستقر في المكان، ولا يكاد ينفك عنه.
(المسألة الثانية) قال الفراء أصل الحقب من الترادف، والتتابع يقال أحقب، إذا أردف ومنه الحقيقة ومنه كل من حمل وزرا، فقد حتقب، فيجوز على هذا المعنى (لابثين فيها أحقابا) أي دهورا متتابعة يتسع بعضها بعضا، ويدل عليه قوله تعالى (لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضى حقبا) يحتمل سنين متتابعة إلى أن أبلغ أو آنس، واعلم أن الأحقاب، واحدها حقب وهو ثمانون سنة عند أهل اللغة، والحقب السنون واحدتها حقبة وهي زمان من الدهر لا وقت له ثم نقل عن المفسرين فيه وجوه (أحدها) قال عطاء والكلبي ومقاتل عن ابن عباس في قوله (أحقابا) الحقب الواحد بضع وثمانون سنة، والسنة ثلثمائة وستون يوما، واليوم ألف سنة من أيام الدنيا، ونحو هذا روى ابن عمر مرفوعا (وثانيها) سأل هلال الهجري عليا عليه السلام.
فقال الحقب مائة سنة. والسنة اثنا عشر شهرا، والشهر ثلاثون يوما، واليوم ألف سنة (وثالثها) قال الحسن الأحقاب لا يدرى أحد ما هي، ولكن الحقب الواحد سبعون ألف سنة اليوم منها كألف سنة مما تعدون (فإن قيل) قوله (أحقابا وإن طالت إلا أنها متناهية، وعذاب أهل النار غير متناه، بل لو قال لابثين فيها الأحقاب لم يكن هذا السؤال واردا، ونظير هذا السؤال قوله