وهذا من باب تسمية المفعول بالمصدر، كقولك هذا ضرب الأمير وثانيها: أن تكون الأرض وصفت بهذا المصدر، كما تقول: زيد جود وكرم وفضل، كأنه لكماله في تلك الصفة صارعين تلك الصفة وثالثها: أن تكون بمعنى ذات مهاد، وقرئ مهدا، ومعناه أن الأرض للخلق كالمهد للصبي، وهو الذي مهد له فينوم عليه.
واعلم أنا ذكرنا في تفسير سورة البقرة عند قوله: * (جعل لكم الأرض فراشا) * (البقرة: 22) كل ما يتعلق من الحقائق بهذه الآية.
* (والجبال أوتادا) *.
وثانيها: قوله تعالى: * (والجبال أوتادا) * أي للأرض (كي) لا تميد بأهلها، فيكمل كون الأرض مهادا بسبب ذلك قد تقدم أيضا.
* (وخلقناكم أزواجا) *.
وثالثها: قوله تعالى: * (وخلقناكم أزواجا) * وفيه قولان: الأول: المراد الذكر والأنثى كما قال: * (وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى) * (النجم: 45)، والثاني: أن المراد منه كل زوجين و (كل) متقابلين من القبيح والحسن والطويل والقصير وجميع المتقابلات والأضداد، كما قال: * (ومن كل شيء خلقنا زوجين) * (الذاريات: 49) وهذا دليل ظاهر على كمال القدرة ونهاية الحكمة حتى يصح الابتلاء والامتحان، فيتعبد الفاضل بالشكر والمفضول بالصبر ويتعرف حقيقة كل شيء بضده، فالإنسان إنما يعرف قدر الشباب عند الشيب، وإنما يعرف قدر الأمن عند الخوف، فيكون ذلك أبلغ في تعريف النعم.
* (وجعلنا نومكم سباتا) *.
ورابعها: قوله تعالى: * (وجعلنا نومكم سباتا) * طعن بعض الملاحدة في هذه الآية فقالوا: السبات هو النوم، والمعنى: وجعلنا نومكم نوما، واعلم أن العلماء ذكروا في التأويل وجوها أولها: قال الزجاج: * (سباتا) * موتا والمسبوت الميت من السبت وهو القطع لأنه مقطوع عن الحركة ودليله أمران أحداهما: قوله تعالى: * (وهو الذي يتوفاكم بالليل) * (الأنعام: 60) إلى قوله: * (ثم يبعثكم) * (الأنعام: 60) والثاني: أنه لما جعل النوم موتا جعل اليقظة معاشا، أي حياة في قوله: * (وجعلنا النهار معاشا) * (النبأ: 11) وهذا القول عندي ضعيف لأن الأشياء المذكورة في هذه الآية جلائل النعم، فلا يليق الموت بهذا المكان وأيضا ليس المراد بكونه موتا، أن الروح انقطع عن البدن، بل المراد منه انقطاع أثر الحواس الظاهرة، وهذا هو النوم، ويصير حاصل الكلام إلى: إنا جعلنا نومكم نوما وثانيها: قال الليث: السبات النوم شبه الغشي يقال سبت المريض فهو مسبوت، وقال أبو عبيدة: السبات الغشية التي تغشى الإنسان شبه الموت، وهذا القول أيضا ضعيف، لأن الغشي ههنا إن كان النوم فيعود الإشكال، وإن كان المراد بالسبات شدة ذلك الغشي فهو باطل، لأنه ليس كل نوم كذلك ولأنه مرض فلا يمكن ذكره في أثناء تعديد النعم وثالثها: أن السبت في أصل اللغة هو القطع يقال سبت الرجل رأسه يسبته سبتا إذا حلق شعره، وقال ابن الأعرابي في قوله: * (سباتا) * أي قطعا