المسألة الأولى: في جواب قوله: * (فإذا جاءت الطامة الكبرى) * (النازعات: 34) وجهان الأول: قال الواحدي: إنه محذوف على تقدير إذا جاءت الطامة دخل أهل النار النار، وأهل الجنة الجنة، ودلى على هذا المحذوف، ما ذكر في بيان مأوى الفريقين، ولهذا كان يقول مالك بن معول في تفسير الطامة الكبرى، قال: إنها إذا سبق أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار والثاني: أن جوابه قوله: * (فإن الجحيم هي المأوى) * وكأنه جزاء مركب على شرطين نظيره إذا جاء الغد، فمن جاءني سائلا أعطيته، كذا ههنا أي إذا جاءت الطامة الكبرى فمن جاء طاغيا فإن الجحيم مأواه.
المسألة الثانية: منهم من قال: المراد بقوله: * (طغى، وآثر الحياة الدنيا) * النضر وأبوه الحارث فإن كان المراد أن هذه الآية نزلت عند صدور بعض المنكرات منه فجيد وإن كان المراد تخصيصها به، فبعيد لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لا سيما إذا عرف بضرورة العقل أن الموجب لذلك الحكم هو الوصف المذكور.
المسألة الثالثة: قوله صغى، إشارة إلى فساد حال القوة النظرية، لأن كل من عرف الله عرف حقارة نفسه، وعرف استيلاء قدرة الله عليه، فلا يكون له طغيان وتكبر، وقوله: * (وآثر الحياة الدنيا) * إشارة إلى فساد حال القوة العملية، وإنما ذكر ذلك لما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " حب الدنيا رأس كل خطيئة " ومتى كان الإنسان والعياذ بالله موصوفا بهذين الأمرين، كان بالغا في الفساد إلى أقصى الغايات، وهو الكافر الذي يكون عقابه مخلدا، وتخصيصه بهذه الحالة يدل على أن الفاسق الذي لا يكون كذلك، لا تكون الجحيم مأوى له.
المسألة الرابعة: تقدير الآية: فإن الجحيم هي المأوى له، ثم حذفت الصلة لوضوح المعنى كقولك للرجل غض الطرف أي غض طرفك، وعندي فيه وجه آخر، وهو أن يكون التقدير: فأن الجحيم هي المأوى، اللائق بمن كان موصوفا بهذه الصفات والأخلاق.
* (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هى المأوى) *.
ثم ذكر تعالى حال السعداء فقال تعالى: * (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى) * واعلم أن هذين الوصفين مضادات للوصفين اللذين وصف الله أهل النار بهما فقوله: * (وأما من خاف مقام ربه) * ضد قوله: * (فأما من طغى) * (النازعات: 17) وقوله: * (ونهى النفس عن الهوى) * ضد قوله: * (وآثر الحياة الدنيا) * (النازعات: 38) واعلم أن الخوف من الله، لا بد وأن يكون مسبوقا بالعلم بالله على ما قال: * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * (فاطر: 28) ولما كان الخوف من الله هو السبب المعين لدفع الهوى، لا جرم قدم العلة على المعلول، وكما دخل في ذينك الصفتين جميع القبائح دخل