كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة) * يعني يكون مقتحم العقبة من هذه الزمرة والطائفة، وهذه الطائفة هم أكابر الصحابة كالخلفاء الأربعة وغيرهم، فإنهم كانوا مبالغين في الصبر على شدائد الدين والرحمة على الخلق، وبالجملة فقوله: * (وتواصوا بالصبر) * إشارة إلى التعظيم لأمر الله، وقوله: * (وتواصوا بالمرحمة) * إشارة إلى الشفقة على خلق الله، ومدار أمر الطاعات ليس إلا على هذين الأصلين وهو الذي قاله بعض المحققين، إن الأصل في التوصف أمران: صدق مع الحق؟ وخلق مع الخلق.
ثم إنه سبحانه لما وصف هؤلاء المؤمنين بين أنهم من هم في القيامة فقال:
* (أولئك أصحاب الميمنة) *.
وإنما ذكر ذلك لأنه تعالى بين حالهم في سورة الواقعة وأنهم * (في سدر مخضود * وطلح منضود) * (الواقعة: 29, 28) قال صاحب " الكشاف ": الميمنة والمشأمة، اليمين والشمال، أو اليمين والشؤم، أي الميامين على أنفسهم والمشائيم عليها.
ثم قال تعالى:
* (والذين كفروا باياتنا هم أصحاب المشامة) *.
فقيل: المراد من يؤتي كتابه بشماله أو وراء ظهره، وقد تقدم وصف الله لهم بأنهم: * (في سموم وحميم وظل من يحموم) * (الواقعة: 42) إلى غير ذلك.
ثم قال تعالى: * (عليهم نار مؤصدة) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال الفراء والزجاج والمبرد: يقال آصدت الباب وأوصدته إذا أغلقته، فمن قرأ مؤصدة بالهمزة أخذها من آصدت فهمز اسم المفعول، ويجوز أن يكون من أوصدت ولكنه همز على لغة من يهمز الواو وإذا كان قبلها ضمة نحو مؤسي، ومن لم يهمز احتمل أيضا أمرين:
أحدهما: أن يكون من لغة من قال: أوصدت فلم يهمز اسم المفعول كما يقال: من أوعدت موعد.
الآخر: أن يكون من آصد مثل آمن ولكنه خفف كما في تخفيف جؤنة وبؤس جونة وبوس فيقلبها في التخفيف واوا، قال الفراء: ويقال من هذا الأصيد والوصيد وهو الباب المطبق، إذا عرفت هذا فنقول: قال مقاتل * (عليهم نار مؤصدة) * يعني أبوابها مطبقة فلا يفتح لهم باب ولا يخرج منها غم ولا يدخل فيها روح أبد الآباد، وقيل: المراد إحاطة النيران بهم، كقوله: * (أحاط بهم سرادقها) * (الكهف: 29).
المسألة الثانية: * (المؤصدة) * هي الأبواب، وقد جرت صفة للنار على تقدير: عليهم نار مؤصدة الأبواب، فكلما تركت الإضافة عاد التنوين لأنهما يتعاقبان، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.