الباقون بضم الطاء منونا، وروي عن أبي عمرو. طوى بكسر الطاء، وطوى مثل ثنى، وهما اسمان للشيء المثنى، والطي بمعنى الثني، أي ثنيت في البركة والتقديس، قال القراء: * (طوى) * واد بين المدينة ومصر، فمن صرفه قال: هو ذكر سمينا به ذكرا، ومن لم يصرفه جعله معدولا عن جهته كعمر وزفر، ثم قال: والصرف أحب إلي إذ لم أجد في المعدول نظيرا، أي لم أجد اسما من الواو والياء عدل عن فاعلة إلى فعل غير * (طوى) *.
المسألة الخامسة: تقدير الآية: إذ ناداه ربه وقال اذهب إلى فرعون، وفي قراءة عبد الله أن اذهب، لأن في النداء معنى القول. وأما أن ذلك النداء كان بإسماع الكلام القديم، أو بإسماع الحرف والصوت، وإن كان على هذا الوجه فكيف عرف موسى أنه كلام الله. فكل ذلك قد تقدم في سورة طه.
المسألة السادسة: أن سائر الآيات تدل على أنه تعالى في أول ما نادى موسى عليه السلام ذكر له أشياء كثيرة، كقوله في سورة طه: * (نودي يا موسى إني أنا ربك) * إلى قوله: * (لنريك من آياتنا الكبرى * اذهب إلى فرعون إنه طغى) * (طه: 24, 23) فدل ذلك على أن قوله ههنا: * (اذهب إلى فرعون إنه طغى) * من جملة ما ناداه به ربه، لا أنه كل ما ناداه به، وأيضا ليس الغرض أنه عليه السلام كان مبعوثا إلى فرعون فقط، بل إلى كل من كان في ذلك الطرف، إلا أنه خصه بالذكر، لأن دعوته جارية مجرى دعوة كل ذلك القوم.
المسألة السابعة: الطغيان مجاوزة الحد، ثم إنه تعالى لم يبين أنه تعدى في أي شيء، فلهذا قال بعض المفسرين: معناه أنه تكبر على الله وكفر به، وقال آخرون: إنه طغى على بني إسرائيل، والأولى عندي الجمع بين الأمرين، فالمعنى أنه طغى على الخالق بأن كفر به، وطغى على الخلق بأن تكبر عليهم واستعبدهم، وكما أن كمال العبودية ليس إلا صدق المعاملة مع الخالق ومع الخلق، فكذا كمال الطغيان ليس إلا الجمع بين سوء المعاملة مع الخالق ومع الخلق.
واعلم أنه تعالى لما بعثه إلى فرعون لقنه كلامين ليخاطبه بهما:
* (فقل هل لك إلى أن تزكى) *.
فالأول: قول تعالى: * (فقل هل لك إلى أن تزكى) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يقال هل لك في كذا، وهل لك إلى كذا، كما تقول: هل ترغب فيه، وهل ترغب إليه، قال الواحدي: المبتدأ محذوف في اللفظ مراد في المعنى، والتقدير: هل لك إلى تزكى حاجة أو إربه، قال الشاعر: فهل لكم فيها إلي فإنني * بصير بما أعيا النطاسي حذيما ويحتمل أن يكون التقدير: هل لك سبيل إلى أن تزكى.