جلال الله وعظمته على ما يليق به، والحس لا ينازعه فيه. فكان ذلك كالطريق إلى جذب العقل من حضيض عالم المحسوسات إلى يفاع عالم الربوبية، وبيداء كبرياء الصمدية، فسبحان من عظمت حكمته وكملت كلمته.
السؤال الثاني: ما الفائدة في قوله: * (والسماء وما بناها) *؟ الجواب: أنه سبحانه لما وصف الشمس بالصفات الأربعة الدالة على عظمتها، أتبعه ببيان ما يدل على حدوثها وحدوث جميع الأجرام السماوية، فنبه بهذه الآية على تلك الدلالة، وذلك لأن الشمس والسماء متناهية، وكل متناه فإنه مختص بمقدار معين. مع أنه كان يجوز في العقل وجود ما هو أعظم منه، وما هو أصغر منه، فاختصاص الشمس وسائر السماويات بالمقدار المعين، لا بد وأن يكون لتقدير مقدر وتدبير مدبر، وكما أن باني البيت يبنيه بحسب مشيئته، فكذا مدبر الشمس وسائر السماويات قدرها بحسب مشيئته، فقوله: * (وما بناها) * كالتنبيه على هذه الدقيقة الدالة على حدوث الشمس وسائر السماويات.
السؤال الثالث: لم قال: * (وما بناها) * ولم يقل: ومن بناها؟ الجواب: من وجهين الأول: أن المراد هو الإشارة إلى الوصفية، كأنه قيل: والسماء وذلك الشيء العظيم القادر الذي بناها، ونفس والحكيم الباهر الحكمة الذي سواها والثاني: أن ما تستعمل في موضع من كقوله: * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) * (النساء: 22) والاعتماد على الأول.
السؤال الرابع: لم ذكر في تعريف ذات الله تعالى هذه الأشياء الثلاثة وهي السماء والأرض والنفس؟ والجواب: لأن الاستدلال على الغائب لا يمكن إلا بالشاهد، والشاهد ليس إلا العالم الجسماني وهو قسمان بسيط ومركب، والبسيط قسمان: العلوية وإليه الإشارة بقوله: * (والسماء) * والسفلية وإليه الإشارة بقوله: * (والأرض) * (الشمس: 6) والمركب هو أقسام، وأشرفها ذوات الأنفس وإليه الإشارة بقوله: * (ونفس وما سواها) * (الشمس: 7). أما قوله تعالى:
* (والارض وما طحاها) *.
ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: إنما أخر هذا عن قوله: * (والسماء وما بناها) * لقوله: * (والأرض بعد ذلك دحاها) * (النازعات: 30).
المسألة الثانية: قال الليث: الطحو كالدحو وهو البسط، وإبدال الطاء من الدال جائز، والمعنى وسعها. قال عطاء والكلبي: بسطها على الماء.
* (ونفس وما سواها) *.
أما قوله تعالى: * (ونفس وما سواها) * إن حملنا النفس على الجسد، فتسويتها تعديل أعضائها على ما يشهد به علم التشريح، وإن حملناها على القوة المدبرة، فتسويتها إعطاؤها القوى الكثيرة