الأرض والجبال) * (المزمل: 14). الثاني: الهدة المنكرة والصوت الهائل من قولهم: رجف الرعد يرجف رجفا ورجيفا، وذلك تردد أصواته المنكرة وهدهدته في السحاب، ومنه قوله تعالى: * (فأخذتهم الرجفة) * (الأعراف: 91) فعلى هذا الوجه الراجفة صيحة عظيمة فيها هول وشدة كالرعد، وأما الرادفة فكل شيء جاء بعد شيء آخر يقال ردفه، أي جاء بعده، وأما القلوب الواجفة فهي المضطربة الخائفة، يقال: وجف قلبه يجف وجافا إذا اضطرب، ومنه إيجاف الدابة، وحملها على السير الشديد، وللمفسرين عبارات كثيرة في تفسير الواجفة ومعناها واحد، قالوا: خائفة وجلة زائدة عن أماكنها قلقة مستوفزة مرتكضة شديدة الاضطراب غير ساكنة، أبصار أهلها خاشعة، وهو كقوله: * (خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي) * (الشورى: 45) إذا عرفت هذا فنقول، اتفق جمهور المفسرين على أن هذه الأمور أحوال يوم القيامة، وزعم أبو مسلم الأصفهاني أنه ليس كذلك ونحن نذكر تفاسير المفسرين ثم نشرح قول أبي مسلم.
أما القول الأول: وهو المشهور بين الجمهور، أن هذه الأحوال أحوال يوم القيامة فهؤلاء ذكروا وجوها أحدها: أن الراجفة هي النفخة الأولى، وسميت به إما لأن الدنيا تتزلزل وتضطرب عندها، وإما لأن صوت تلك النفخة هي الراجفة، كما بينا القول فيه، والراجفة رجفة أخرى تتبع الأولى فتضطرب الأرض لإحياء الموتى كما اضطربت في الأولى لموت الأحياء على ما ذكره تعالى في سورة الزمر، ثم يروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن بين النفختين أربعين عاما، ويروى في هذه الأربعين يمطر الله الأرض ويصير ذلك الماء عليها كالنطف، وأن ذلك كالسبب للأحياء، وهذا مما لا حاجة إليه في الإعادة، ولله أن يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد وثانيها: الراجفة هي النفخة الأولى والرادفة هي قيام الساعة من قوله: * (عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون) * (النمل: 72) أي القيامة التي يستعجلها الكفرة استبعادا لها فهي رادفة لهم لاقترابها وثالثها: الراجفة الأرض والجبال من قوله: * (يوم ترجف الأرض والجبال) * والرادفة السماء والكواكب لأنها تنشق وتنتثر كواكبها على أثر ذلك ورابعها: الراجفة هي الأرض تتحرك وتتزلزل والرادفة زلزلة ثانية تتبع الأولى حتى تنقطع الأرض وتفنى القول الثاني: وهو قول أبي مسلم أن هذه الأحوال ليست أحوال يوم القيامة، وذلك لأنا نقلنا عنه أنه فسر النازعات بنزع القوس والناشطات بخروج السهم، والسابحات بعدو الفرس، والسابقات بسبقها، والمدبرات بالأمور التي تحصل أدبار ذلك الرمي والعدو، ثم بنى على ذلك فقال الراجفة هي خيل المشركين وكذلك الرادفة ويراد بذلك طائفتان من المشركين غزوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقت إحداهما الأخرى، والقلوب الواجفة هي القلقة، والأبصار الخاشعة هي أبصار المنافقين كقوله: * (الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشى عليه من الموت) * (محمد: 20) كأنه قيل لما جاء خيل العدو يرجف، وردفتها أختها اضطرب قلوب المنافقين خوفا، وخشعت أبصارهم جبنا وضعفا، ثم قالوا: