ثم شققنا الأرض شقا (26) فأنبتنا فيها حبا (27) وعنبا وقضبا (38) وزيتونا ونخلا (29) وحدائق غلبا (30) (المسألة الأولى) قوله (صببنا) المراد منه الغيث، ثم انظر في أنه كيف حدث العيث المشتمل على هذه المياه العظيمة، وكيف بقى معلقا في جو السماء مع غاية ثقله، وتأمل في أسبابه القريبة والبعيدة، حتى يلوح لك شئ من آثار نور الله وعدله وحكمته، وفى تدبير خلقة هذا العالم.
(المسألة الثانية) قرى إنا بالكسر، وهو على الاستئناف، وأنا بالفتح على البدل من الطعام والتقدير (فلينظر الانسان) إلى أنا كيف (صببنا الماء) قال أب على الفارسي من قرأ بكسر إنا كان ذلك تفسيرا للنظر إلى طعامه كما أنه قوله (لهم مغفرة) تفسير للوعد، ومن فتح فعلى معنى البدل بدل الاشتمال، لان هذه الأشياء تشتمل على كون الطعام وحدوثه، فهو كقوله (يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه) وقوله (قتل أصحاب الأخدود، النار).
قوله تعالى (ثم شققنا الأرض شقا) والمراد شق الأرض بالنبات، ثم ذكر تعالى ثمانية أنواع من النبات:
(أولها) الحب: وهو المشار إليه بقوله (فأنبتنا فيها حبا) وهو كل ما حصد من نحو الحنطة والشعير وغيرهما، وإنما قدم ذلك لأنه كالأصل في الأغذية.
(وثانيها) قوله تعالى (وعنبا) وإنما ذكره بعد الحب لأنه غذاء من وجه وفاكهة من وجه.
(وثالثها) قوله تعالى (وقضبا) وفيه قولان:
(الأول) أنه الرطبة وهي التي يبست سميت بالقت، وأهل مكة يسمونها بالقضب وأصله من القطع، ذلك لأنه يقضب مرة بعد أخرى، وكذلك القضيب لأنه يقضب أي يقطع.
وهذا قول ابن عباس والضحاك ومقاتل واختيار الفراء وأبى عبيدة والأصمعي.
(والثاني) قال المبرد القضب هو العلف بعينه، وأصله من أنه يقضب أي يقطع وهو قول الحسن.
(والرابع والخامس) قوله تعالى (وزيتونا ونخلا) ومنافعهما قد تقدمت في هذا الكتاب.
(وسادسها) قوله تعالى (وحدائق غلبا) الأصل في الوصف بالغلب الرقاب فالغلب الغلاظ الأعناق الواحد أغلب يقال أسد أغلب، ثم ههنا قولان:
(الأول) أن يكون المراد وصف كل حديقة بأن أشجارها متكاثقة متقاربة، وهذا قول مجاهد ومقاتل قالا الغلب الملتفة الشجر بعضه في بعض، يقال اغلولب العشب واغلولبت الأرض إذا التف عشبها.