متصلة بأرض العرب وخبر التواتر يفيد العلم الضروري، والعلم الضروري جار مجرى الرؤية في القوة والجلاء والبعد عن الشبهة، فلذلك قال: * (ألم تر) * بمعنى ألم تعلم.
المسألة الثانية: قوله: * (ألم تر) * وإن كان في الظاهر خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم لكنه عام لكل من علم ذلك. والمقصود من ذكر الله تعالى حكايتهم أن يكون زجرا للكفار عن الإقامة على مثل ما أدى إلى هلاك عاد وثمود وفرعون وقومه، وليكون بعثا للمؤمنين على الثبات على الإيمان.
أما قوله تعالى: * (بعاد * إرم ذات العماد) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: أنه تعالى ذكر ههنا قصة ثلاث فرق من الكفار المتقدمين وهي عاد وثمود وقوم فرعون على سبيل الإجمال حيث قال: * (فصب عليهم ربك سوط عذاب) * ولم يبين كيفية ذلك العذاب، وذكر في سورة الحاقة بيان ما أبهم في هذه السورة فقال: * (فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية، وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر) * إلى قوله * (وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة) * (الحاقة: 9) الآية.
المسألة الثانية: عاد هو عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح، ثم إنهم جعلوا لفظة عاد اسما للقبيلة كما يقال لبني هاشم هاشم ولبني تميم تميم، ثم قالوا للمتقدمين من هذه القبيلة عاد الأولى قال تعالى: * (وأنه أهلك عاد الأولى) * (النجم: 50) وللمتأخرين عاد الأخيرة، وأما إرم فهو اسم لجد عاد، وفي المراد منه في هذه الآية أقوال: أحدها: أن المتقدمين من قبيلة عاد كانوا يسمون بعاد الأولى فلذلك يسمون بإرم تسمية لهم باسم جدهم والثاني: أن إرم اسم لبلدتهم التي كانوا فيها ثم قبل تلك المدينة هي الإسكندرية وقيل دمشق والثالث: أن إرم أعلام قوم عاد كانوا يبنونها على هيئة المنارة وعلى هيئة القبور، قال أبو الدقيش: الأروم قبور عاد، وأنشد: بها أروم كهوادي البخت ومن الناس من طعن في قول من قال: إن إرم هي الإسكندرية أو دمشق، قال: لأن منازل عاد كانت بين عمان إلى حضرموت وهي بلاد الرمال والأحقاف، كما قال: * (واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف) * (الأحقاف: 21) وأما الإسكندرية ودمشق فليستا من بلاد الرمال.
المسألة الثالثة: إرم لا تنصرف قبيلة كانت أو أرضا للتعريف والتأنيث.
المسألة الرابعة: في قوله: * (إرم) * وجهان وذلك لأنا إن جعلناه اسم القبيلة كان قوله: * (إرم) * عطف بيان لعاد وإيذانا بأنهم عاد الأولى القديمة وإن جعلناه اسم البلدة أو الأعلام كان التقدير بعاد أهل إرم ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامع، كما في قوله: * (واسأل القرية) * (يوسف: 82) ويدل عليه قراءة ابن الزبير بعاد إرم على الإضافة.
المسألة الخامسة: قرأ الحسن: * (بعاد إرم) * مفتوحين وقرئ: * (بعاد إرم) * بسكون الراء على