المسألة الثانية: قد ظهر بما ذكرنا أن معنى الطامة الكبرى الداهية الكبرى، ثم اختلفوا في أنها أي شيء هي، فقال قوم: إنها يوم القيامة لأنه يشاهد فيه من النار، ومن الموقف الهائل، ومن الآيات الباهرة الخارجة عن العادة ما ينسى معه كل هائل، وقال الحسن: إنها هي النفخة الثانية التي عندها تحشر الخلائق إلى موقف القيامة، وقال آخرون: إنه تعالى فسر الطامة الكبرى بقوله تعالى: * (يوم يتذكر الإنسان ما سعى، وبرزت الجحيم لمن يرى) * فالطامة تكون اسما لذلك الوقت، فيحتمل أن يكون ذلك الوقت وقت قراءة الكتاب على ما قال تعالى: * (ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا) * (الإسراء: 13) ويحتمل أن تكون تلك الساعة هي الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، ثم إنه تعالى وصف ذلك اليوم بوصفين:
الأول: قوله تعالى: * (يوم يتذكر الإنسان ما سعى) * يعني إذا رأى أعماله مدونة في كتابه تذكرها، وكان قد نسيها، كقوله: * (أحصاه الله ونسوه) * (المجادلة: 6).
الصفة الثانية: قوله تعالى: * (وبرزت الجحيم لمن يرى) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قوله تعالى: * (لمن يرى) * أي أنها تظهر إظهارا مكشوفا لكل ناظر ذي بصر ثم فيه وجهان أحدهما: أنه استعارة في كونه منكشفا ظاهرا كقولهم: تبين الصبح لذي عينين.
وعلى هذا التأويل لا يجب أن يراه كل أحد والثاني: أن يكون المراد أنها برزت ليراها كل من له عين وبصر، وهذا يفيد أن كل الناس يرونها من المؤمنين والكفار، إلا أنها مكان الكفار ومأواهم والمؤمنون يمرون عليها، وهذا التأويل متأكد بقوله تعالى: * (وإن منكم إلا واردها) * إلى قوله: * (ثم ننجي الذين اتقوا) * (مريم: 72, 71) فإن قيل: إنه تعالى قال في سورة الشعراء: * (وأزلفت الجنة للمتقين * وبرزت الجحيم للغاوين) * (الشعراء: 91, 90) فخص الغاوين بتبريرها لهم، قلنا: إنها برزت للغاوين، والمؤمنون يرونها أيضا في الممر، ولا منافاة بين الأمرين.
المسألة الثانية: قرأ أبو نهيك * (وبرزت) * وقرأ ابن مسعود: لمن رأى، وقرأ عكرمة: لمن ترى، والضمير للجحيم، كقوله: * (إذا رأتهم من مكان بعيد) * (الفرقان: 12) وقيل: لمن ترى يا محمد من الكفار الذين يؤذونك.
واعلم أنه تعالى لما وصف حال القيامة في الجملة قسم المكلفين قسمين: الأشقياء والسعداء، فذكر حال الأشقياء.
* (فأما من طغى * وءاثر الحيوة الدنيا * فإن الجحيم هى المأوى) *.
وفيه مسائل: