أنه لا يعذب أحد من الناس عذاب الكافر، كقوله: * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * (فاطر: 18) قال الواحدي وهذه أولى الأقوال.
المسألة الثانية: العذاب في القراءتين بمعنى التعذيب والوثاق بمعنى الإيثاق، كالعطاء بمعنى الإعطاء في قوله:
أكفرا بعد رد الموت عن * وبعد عدائك المائة الرتاعا * (يا أيتها النفس المطمئنة) *.
اعلم أنه تعالى لما وصف حال من اطمأن إلى الدنيا، وصف حال من أطمأن إلى معرفته وعبوديته، فقال: * (يا أيتها النفس) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تقدير هذا الكلام. يقول الله للمؤمن: * (يا أيتها النفس) * فإما أن يكلمه إكراما له كما كلم موسى عليه السلام أو على لسان ملك، وقال القفال: هذا وإن كان أمرا في الظاهر لكنه خبر في المعنى، والتقدير أن النفس إذا كانت مطمئنة رجعت إلى الله، وقال الله لها: * (فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي) * ( الفجر: 30, 29) قال: ومجئ الأمر بمعنى الخبر كثير في كلامهم، كقولهم: إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
المسألة الثانية: الاطمئنان هو الاستقرار والثبات، وفي كيفية هذا الاستقرار وجوه أحدها: أن تكون متيقنة بالحق، فلا يخالجها شك، وهو المراد من قوله: * (ولكن ليطمئن قلبي) * (البقرة: 260) وثانيها: النفس الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن، ويشهد لهذا التفسير قراءة أبي بن كعب يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة، وهذه الخاصة قد تحصل عند الموت عند سماع قوله: * (ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة) * (فصلت: 30) وتحصل عند البعث، وعند دخول الجنة لا محالة وثالثها: وهو تأويل مطابق للحقائق العقلية، فنقول: القرآن والبرهان تطابقا على أن هذا الاطمئنان لا يحصل إلا بذكر الله، أما القرآن فقوله: * (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) * (الرعد: 28) وأما البرهان فمن وجهين الأول: أن القوة العاقلة إذا أخذت تترقى في سلسلة الأسباب والمسببات، فكلما وصل إلى سبب يكون هو ممكنا لذاته طلب العقل له سببا آخر، فلم يقف العقل عنده، بل لا يزال ينتقل من كل شيء إلى ما هو أعلى منه، حتى ينتهي في ذلك الترقي إلى واجب الوجود لذاته مقطع الحاجات. ومنتهى الضرورات، فلما وقفت الحاجة دونه وقف العقل عنده واطمأن إليه، ولم ينتقل عنه إلى غيره، فإذا كلما كانت القوة العاقلة ناظرة إلى شيء من الممكنات ملتفة إليه استحال أن تستقر عنده، وإذا نظرت إلى جلال واجب الوجود، وعرفت أن الكل منه استحال أن تنتقل عنه، فثبت أن الاطمئنان لا يحصل إلا بذكر واجب الوجود الثاني: أن حاجات العبد غير متناهية وكل ما سوى الله تعالى فهو متناهي البقاء والقوة إلا بامداد الله، وغير المتناهي لا يصير مجبورا