أن النار الكبرى هي النار السفلى، وهي تصيب الكفار على ما قال تعالى: * (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) * (النساء: 145).
المسألة الثانية: قالوا: نزلت هذه الآية في الوليد وعتبة وأبي، وأنت تعلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لا سيما وقد بينا صحة هذا الترتيب بالبرهان العقلي.
المسألة الثالثة: لقائل أن يقول: إن الله تعالى ذكر ههنا قسمين أحدهما: الذي يذكر ويخشى والثاني: الأشقى الذي يصلى النار الكبرى، لكن وجود الأشقى يستدعي وجود الشقي فكيف حال هذا القسم؟ وجوابه: أن لفظة الأشقى لا تقتضي وجود الشقي إذ قد يجري مثل هذا اللفظ من غير مشاركة، كقوله تعالى: * (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا) * (الفرقان: 24) وقيل: المعنى، ويتجنبها الشقي الذي يصلى كما في قوله: * (وهو أهون عليه) * (الروم: 27) أي هين عليه، ومثل قول القائل: إن الذي سمك السماء بنى لنا * بيتا دعائمه أعز وأطول هذا ما قيل لكن التحقيق ما ذكرنا أن الفرق الثلاثة، العارف والمتوقف والمعاند فالسعيد هو العارف، والمتوقف له بعض الشقاء والأشقى هو المعاند الذي بينا أنه هو الذي لا يلتفت إلى الدعوة ولا يصغى إليها ويتجنبها. أما قوله تعالى:
* (ثم لا يموت فيها ولا يحيا) *.
ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: للمفسرين فيه وجهان: أحدهما: لا يموت فيستريح ولا يحيا حياة تنفعه، كما قال: * (لا يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها) * (فاطر: 36) وهذا على مذهب العرب تقول للمبتلي بالبلاء الشديد لا هو حي ولا هو ميت وثانيهما: معناه أن نفس أحدهم في النار تصير في حلقه فلا تخرج فيموت، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا.
المسألة الثانية: إنما قيل: * (ثم) * لأن هذه الحالة أفظع وأعظم من الصلي فهو متراخ عنه في مراتب الشدة. أما قوله تعالى:
* (قد أفلح من تزكى) *.
ففيه وجهان: أحدهما: أنه تعالى لما ذكر وعيد من أعرض عن النظر والتأمل في دلائل الله تعالى، أتبعه بالوعد لمن تزكى ويطهر من دنس الشرك وثانيهما: وهو قول الزجاج: تكثر من التقوى لأن معنى الزاكي النامي الكثير، وهذا الوجه معتضد بقوله تعالى: * (قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون) * (المؤمنون: 2, 1) أثبت الفلاح للمستجمعين لتلك الخصال وكذلك قوله تعالى في أول البقرة: * (وأولئك هم المفلحون) * (البقرة: 5) وأما الوجه الأول فإنه معتضد بوجهين: الأول: أنه تعالى لما لم يذكر في الآية ما يجب التزكي عنه علمنا أن المراد هو التزكي عما مر ذكره قبل الآية، وذلك هو الكفر، فعلمنا أن المراد ههنا: * (قد