ابن عباس: ما كنت أدرى ما معنى يحور، حتى سمعت إعرابية تقول لابنتها حوري أي ارجعي، ونقل القفال عن بعضهم أن الحور هو الرجوع إلى خلاف ما كان عليه المرء كما قالوا: " نعوذ بالله من الحور بعد الكور " فعلى الوجه الأول معنى الآية أنه ظن أن لن يرجع إلى الآخرة أي لن يبعث، وقال مقاتل وابن عباس: حسب أن لا يرجع إلى الله تعالى، وعلى الوجه الثاني أنه ظن أن لن يرجع إلى خلاف ما هو عليه في الدنيا من السرور والتنعم.
* (بلى إن ربه كان به بصيرا) *.
ثم قال تعالى: * (بلى) * أي ليبعثن، وعلى الوجه الثاني يكون المعنى أن الله تعالى يبدل سروره بغم لا ينقطع وتنعمه ببلاء لا ينتهي ولا يزول.
أما قوله: * (إن ربه كان بصيرا) * فقال الكلبي: كان بصيرا به من يوم خلقه إلى أن بعثه، وقال عطاء: بصيرا بما سبق عليه في أم الكتاب من الشقاء، وقال مقاتل: بصيرا متى بعثه، وقال الزجاج: كان عالما بأن مرجعه إليه ولا فائدة في هذه الأقوال، إنما الفائدة في وجهين ذكرهما القفال الأول: أن ربه كان عالما بأنه سيجزيه والثاني: أن ربه كان عالما بما يعمله من الكفر والمعاصي فلم يكن يجوز في حكمته أن يهمله فلا يعاقبه على سوء أعماله، وهذا زجر لكل المكلفين عن جميع المعاصي.
* (فلا أقسم بالشفق * واليل وما وسق * والقمر إذا اتسق * لتركبن طبقا عن طبق * فما لهم لا يؤمنون) *.
اعلم أن قوله تعالى: * (فلا أقسم بالشفق) * فيه مسائل:
المسألة الأولى: أن هذا قسم، وأما حرف لا فقد تكلمنا فيه في قوله تعالى: * (لا أقسم بيوم القيامة) * (القيامة: 1) ومن جملة الوجوه المذكورة هناك أن لا نفي ورد لكلام قبل القسم وتوجيه هذا الوجه ههنا ظاهر، لأنه تعالى حكى ههنا عن المشرك أنه ظن أن لن يحور فقوله لا رد لذلك القول وإبطال لذلك الظن ثم قال بعده أقسم بالشفق.
المسألة الثانية: قد عرفت اختلاف العلماء في أن القسم واقع بهذه الأشياء أو يخالفها، وعرفت أن المتكلمين زعموا أن القسم واقع برب الشفق وإن كان محذوفا، لأن ذلك معلوم من حيث ورد الحظر بأن يقسم الإنسان بغير الله تعالى.
المسألة الثالثة: تركيب لفظ الشفق في أصل اللغة لرقة الشيء، ومنه يقال: ثوب شفق كأنه