سورة عبس وهي أربعون وآيتان مكية بسم الله الرحمن الرحيم * (عبس وتولى * أن جآءه الاعمى) *.
وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم - وأم مكتوم أم أبيه واسمه عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤي - وعنده صناديد قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام، والعباس بن عبد المطلب، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة يدعوهم إلى الإسلام، رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم أقرئني وعلمني مما علمك الله، وكرر ذلك، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه، وعبس وأعرض عنه فنزلت هذه الآية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه، ويقول: إذا رآه " مرحبا بمن عاتبني فيه ربي " ويقول: هل لك من حاجة، واستخلفه على المدينة مرتين، وفي الموضع سؤالات:
الأول: أن ابن أم مكتوم كان يستحق التأديب والزجر، فكيف عاتب الله رسوله على أن أدب ابن أم مكتوم وزجره؟ وإنما قلنا: إنه كان يستحق التأديب لوجوه أحدها: أنه وإن كان لفقد بصره لا يرى القوم، لكنه لصحة سمعه كان يسمع مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم أولئك الكفار، وكان يسمع أصواتهم أيضا، وكان يعرف بواسطة استماع تلك الكلمات شدة اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بشأنهم، فكان إقدامه على قطع كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإلقاء غرض نفسه في البين قبل تمام غرض النبي إيذاء للنبي عليه الصلاة والسلام، وذلك معصية عظيمة وثانيها: أن الأهم مقدم على المهم، وهو كان قد أسلم وتعلم، ما كان يحتاج إليه من أمر الدين، أما أولئك الكفار فما كانوا قد أسلموا، وهو إسلامهم سببا لإسلام جمع عظيم، فإلقاء ابن أم مكتوم، ذلك الكلام في البين كالسبب في قطع ذلك الخير العظيم، لغرض قليل وذلك محرم وثالثها: أنه تعالى قال: * (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) * (الحجرات: 4) فنهاهم عن مجرد النداء إلا في الوقت، فههنا هذا النداء الذي صار كالصارف للكفار عن قبول الإيمان وكالقاطع