المسألة الخامسة: المجسمة تمسكوا بقوله: * (إلى ربك) * وكلمة إلى لانتهاء الغاية وجوابه: إلى حكم ربك، أو إلى ثواب ربك أو إلى إحسان ربك والجواب: الحقيقي المفرع على القاعدة العقلية التي قررناها، أن القوة العقلية بسيرها العقلي تترقى من موجود إلى موجود آخر، ومن سبب إلى سبب حتى تنتهي إلى حضرة واجب الوجود، فهناك انتهاء الغايات وانقطاع الحركات، أما قوله تعالى: * (راضية مرضية) * فالمعنى راضية بالثواب مرضية عنك في الأعمال التي عملتها في الدنيا، ويدل على صحة هذا التفسير، ما روى أن رجلا قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآيات، فقال أبو بكر: ما أحسن هذا! فقال عليه الصلاة والسلام: " أما إن الملك سيقولها لك ". ثم قوله تعالى:
* (ارجعى إلى ربك راضية مرضية * فادخلى فى عبادى * وادخلى جنتى) *.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قيل: نزلت في حمزة بن عبد المطلب، وقيل: في خبيت بن عدي الذي صلبه أهل مكة، وجعلوا وجهه إلى المدينة، فقال: اللهم إن كان لي عندك خير فحول وجهي نحو بلدتك، فحول الله وجهه نحوها، فلم يستطع أحد أن يحوله، وأنت قد عرفت أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
المسألة الثانية: قوله: * (ادخلي في عبادي) * أي انضمي إلى عبادي المقربين، وهذه حالة شريفة، وذلك لأن الأرواح الشريفة القدسية تكون كالمرايا المصقولة، فإذا انضم بعضها إلى البعض حصلت فيما بينها حالة شبيهة بالحالة الحاصلة عند تقابل المرايا المصقولة من انعكاس الأشعة من بعضها على بعض، فيظهر في كل واحد منها كل ما ظهر في كلها، وبالجملة فيكون ذلك الانضمام سببا لتكامل تلك السعادات، وتعاظم تلك الدرجات الروحانية، وهذا هو المراد من قوله تعالى: * (وأما إن كان من أصحاب اليمين * فسلام لك من أصحاب اليمين) * (الواقعة: 91, 90) * وذلك هو السعادة الروحانية، ثم قال: * (وادخلي جنتي) * وهذا إشارة إلى السعادة الجسمانية، ولما كانت الجنة الروحانية غير متراخية عن الموت في حق السعداء، لا جرم قال: * (فادخلي في عبادي) * فذكر بفاء التعقيب، ولما كانت الجنة الجسمانية لا يحصل الفوز بها إلا بعد قيام القيامة الكبرى، لا جرم قال: * (وادخلي جنتي) * فذكره بالواو لا بالفاء، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.