والأولى أن يحمل ذلك على سبيل التهكم كقوله: * (ذق إنك أنت العزيز الكريم) * (الدخان: 49) والمعنى كأنه تعالى يقول للمؤمنين: هل جازينا الكفار على عملهم الذي كان من جملته ضحكهم بكم واستهزاؤهم بطريقتكم، كما جازيناكم على أعمالكم الصالحة؟ فيكون هذا القول زائدا في سرورهم، لأنه يقتضي زيادة في تعظيمهم والاستخفاف بأعدائهم، والمقصود منها أحوال القيامة. والله أعلم.
سورة الانشقاق وهي عشرون وخمس آيات مكية بسم الله الرحمن الرحيم * (إذا السمآء انشقت * وأذنت لربها وحقت * وإذا الارض مدت * وألقت ما فيها وتخلت * وأذنت لربها وحقت) *.
أما انشقاق السماء فقد مر شرحه في مواضع من القرآن، وعن علي عليه السلام أنها تنشق من المجرة، أما قوله: * (وأذنت لربها) * ومعنى أذن له استمع، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: " ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن " وأنشد أبو عبيدة والمبرد والزجاج قول قعنب:
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به * وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا والمعنى أنه لم يوجد في جرم السماء ما يمنع من تأثير قدرة الله تعالى في شقها وتفريق أجزائها، فكانت في قبول ذلك التأثير كالعبد الطائع الذي إذا ورد عليه الأمر من جهة المالك أنصت له وأذعن، ولم يمتنع فقوله: * (قالتا أتينا طائعين) * (فصلت: 11) يدل على نفاذ القدرة في الإيجاد والإبداع من غير ممانعة أصلا، وقوله ههنا: * (وأذنت لربها) * يدل على نفوذ القدرة في التفريق والإعدام والإفناء من غير ممانعة أصلا، وأما قوله: * (وحقت) * فهو من قولك هو محقوق بكذا، وحقيق به. يعني وهي حقيقة بأن تنقاد ولا تمتنع وذلك لأنه جسم، وكل جسم فهو ممكن لذاته وكل ممكن لذاته فإن الوجود والعدم بالنسبة إليه على السوية، وكل ما كان كذلك، كان ترجيح وجوده على عدمه أو ترجيح عدمه على وجوده، لا بد وأن يكون بتأثير واجب الوجود وترجيحه فيكون تأثير