ما تفرح بإكرام نفسك، ومن ذلك حيث تقول الأنبياء: نفسي نفسي، أي أبدأ بجزائي وثوابي قبل أمتي، لأن طاعتي كانت قبل طاعة أمتي، وأنت تقول: أمتي أمتي، أي أبدأ بهم، فإن سروري أن أراهم فائزين بثوابهم وثالثها: أنك عاملتني معاملة حسنة، فإنهم حين شجوا وجهك، قلت: " اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون " وحين شغلوك يوم الخندق عن الصلاة، قلت: " اللهم املأ بطونهم نارا " فتحملت الشجة الحاصلة في وجه جسدك، وما تحملت الشجة الحاصلة في وجه دينك، فإن وجه الدين هو الصلاة، فرجحت حقي على حقك، لا جرم فضلتك، فقلت من ترك الصلاة سنين، أو حبس غيره عن الصلاة سنين لا أكفره، ومن آذى شعرة من شعراتك، أو جزء من نعلك أكفره.
السؤال الثاني: ما الفائدة في قوله: * (ولسوف) * ولم لم يقل: وسيعطيك ربك؟ الجواب: فيه فوائد إحداها: أنه يدل على أنه ما قرب أجله، بل يعيش بعد ذلك زمانا وثانيها: أن المشركين لما قالوا: ودعه ربه وقلاه فالله تعالى رد عليهم بعين تلك اللفظة، فقال: * (ما ودعك ربك وما قلى) * (الضحى: 3) ثم قال المشركون: سوف يموت محمد، فرد الله عليهم ذلك بهذه اللفظة فقال: * (ولسوف يعطيك ربك فترضى) *.
السؤال الثالث: كيف يقول الله: * (ولسوف يعطيك ربك فترضى) *؟ الجواب: هذه السورة من أولها إلى آخرها كلام جبريل عليه السلام معه، لأنه كان شديد الاشتياق إليه وإلى كلامه كما ذكرنا، فأراد الله تعالى أن يكون هو المخاطب له بهذه البشارات.
السؤال الرابع: ما هذه اللام الداخلة على سوف؟ الجواب: قال صاحب " الكشاف ": هي لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة، والمبتدأ محذوف تقديره: ولأنت سوف يعطيك ربك والدليل على ما قلنا أنها إما أن تكون لام القسم، أو لام الابتداء، ولام القسم لا تدخل على المضارع إلا مع نون التوكيد، فبقي أن تكون لام ابتداء، ولام الابتداء لا تدخل إلا على الجملة من المبتدأ والخبر، فلا بد من تقدير مبتدأ وخبر، وأن يكون أصله: ولأنت سوف يعطيك، فإن قيل ما معنى الجمع بين حرفي التوكيد والتأخير؟ قلنا معناه: أن العطاء كائن لا محالة، وإن تأخر لما في التأخير من المصلحة.
* (ألم يجدك يتيما فآوى) *.
فيه مسائل:
المسألة الأولى: أن اتصاله بما تقدم هو أنه تعالى يقول: * (ألم يجدك يتيما) * فقال الرسول: بلى يا رب، فيقول: انظر (أ) كانت طاعاتك في ذلك الوقت أكرم أم الساعة؟ فلا بد من أن يقال: بل الساعة فيقول الله: حين كنت صبيا ضعيفا ما تركناك بل ربيناك ورقيناك إلى حيث صرت مشرفا على