بردا، وهب أن ذلك البرد برد تأذوا به، ولكن كيف كان، فقد ذاقوا البرد (والجواب عن الأول) كما أن ذوق البرد مجاز فكذا ذوق النوم أيضا مجاز، ولان المراد من قوله (لا يذوقون فيها بردا) أي لا يستنشقون فيها نفسا باردا، ولا هواء باردا، والهواء المستنشق ممره الفم والأنف فجاز إطلاق لفظ الذوق عليه (والجواب عن الثاني) أنه لم يقل لا يذوقون فيها البرد بل قال لا يذوقون فيها بردا واحدا، وهو البرد الذي ينتفعون به ويستريحون إليه.
(المسألة الثالثة) ذكروا في الحميم أنه الصفر المذاب وهو باطل بل الحميم الماء الحار المغلى جدا (المسألة الرابعة) ذكروا في الغساق وجوها.
(أحدها) قال أبو معاذ كنت أسمع مشايخنا يقولون الغساق فارسية معربة يقولون للشئ الذي يتقذرونه خاشاك (1) (وثانيها) أن الغساق هو الشئ البارد الذي لا يطلق، وهو الذي يسمى بالزمهرير (وثالثها) الغساق ما يسيل من أعين أهل النار وجلودهم من الصديد والقيح والعرق وسائر الرطوبات المستقذرة، وفى كتاب الخليل غسقت عينه، تغسق غسقا وغساقا (ورابعها) الغساق هو المنن، ودليله ما روى أنه عليه السلا قال، لو أن دلوا من الغساق يهراق على الدنيا لأنتن أهل الدنيا (وخامسها) أن الغاسق هو المظلم قال تعالى (ومن شر غاسق إذا وقب) فيكون الغساق شرابا أسود مكروها يستوحش كما يستوحش الشئ المظلم، إذا عرفت هذا فنقول إن فسنا الغساق بالبارد كان التقدير: لا يذوقون فيها بردا إلا غساقا ولا شرابا إلا حميما، إلا أنهما جمعا لأجل انتظام الآي، ومثله من الشعر قول امرئ القيس.
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا... لدى وكرها العناب والحشف البالي والمعنى كأن قلوب الطير رطبا العناب ويابسا الحشف البالي، أما إن فسرنا الغساق بالصديد أو بالمنتن احتمل أن يكون الاستثناء بالحميم الغساق راجعا إلى البرد والشراب معا، وأن يكون مختصا بالشراب فقط.
أما الاحتمال الأول: فهو أن يكون التقدير لا يذوقون فيها شرابا إلا الحميم البالغ في الحميم والصديد المنتن.
وأما الاحتمال الثاني: فهو أن يكون التقدير لا يذوقون فيها شرابا إلا الحميم البالغ في السخونة أو الصديد المنتن والله أعلم بمراده، فإن قيل الصديد لا يشرب فكيف استثنى من الشراب؟ قلنا: إنه مائع فأمكن أن يشرب في الجملة فإن ثبت أنه غير ممكن كان ذلك استثناء من غير الجنس ووجهه معلوم.
المسألة الخامسة: قرأ حمزة والكسائي وعاصم من رواية حفص عنه غساقا بالتشديد فكأنه فعال بمعنى سيال، وقرأ الباقون بالتخفيف مثل شراب والأول نعت والثاني اسم.
واعلم أنه تعالى لما شرح أنواع عقوبة الكفار بين فيما بعده أنه: * (جزاء وفاقا) * وفي المعنى