يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا (18) اعلم أن التسعة التي عددها الله تعالى نظرا إلى حدوثها في ذواتها وصفاتها، ونظرا إلى إمكانها في ذواتها وصفاتها تدل على القادر المختار، ونظر إلى ما فيها من الاحكام والاتقان تدل على أن فاعلها عالم، ثم إن ذلك الفاعل القديم يجب أن يكون علمه وقدرته واجبين، إذ لو كانا جائزين لافتقر إلى فاعل آخر ويلزم التسلسل وهو محال، وإذا كان العلم والقدرة واجبين وجب تعلقهما بكل ما صح أن يكون مقدورا ومعلوما وإلا لافتقر إلى المخصص وهو محال، وإذا كان كذلك وجب أن يكون قادرا على جميع الممكنات عالما بجميع المعلومات، وقد ثبت أن الأجسام متساوية في في الجسمية فكل ما صح على واحد منها صح على الآخر، فكما يصح على الأجسام السفلية الانشقاق والانفطار والظلمة وجب أن يصح ذلك على كل الأجسام، وإذا ثبت الامكان وثبت عموم القدرة والعلم، ثبت أنه تعالى قادر على تخريب الدنيا، وقادر على إيجاد عالم آخر، وعند ذلك ثبت أن القوم بقيام القيامة ممكن عقلا وإلى ههنا يمكن إثباته بالعقل، فأما ما وراء ذلك من وقت حدوثها وكيفية حدوثها فلا سبيل إليه إلا بالسمع، ثم إنه تعالى تكلم في هذه الأشياء بقوله (إن يوم الفصل كان ميقاتا) ثم إنه تعالى ذكر بعض أحوال القيامة (فأولها) قوله (إن يوم الفصل كان ميقاتا) والمعنى أن هذا اليوم كان في تقدير الله، وحكمه حدا تؤقت به الدنيا، أو حدا للخلائق ينتهون إليه، أو كان ميقاتا لما وعد الله من الثواب والعقاب، أو كان ميقاتا لاجتماع كل الخلائق في فصل الحكومات وقطع الخصومات.
(وثانيها) قوله) تعالى (يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا).
اعلم أن (يوم ينفخ) بدل من يوم الفصل، أو عطف بيان، وهذا النفخ هو النفخة الأخيرة التي عندها يكون الحشر، والنفخ في الصور فيه قولان (أحدهما) أن الصور جمع الصور، فالنفخ في الصور عبارة عن نفخ الأرواح في الأجساد (والثاني) أن الصور عبارة عن قرن ينفخ فيه.
وتمام الكلام في الصور وما قيل فيه قد تقدم في سورة الزمر، وقوله (فتأتون أفواجا) معناه أنهم يأتون ذلك المقام فرجا فوجا حتى يتكامل اجتماعهم. قال عطاء كل نبي يأتي مع أمته، ونظيره قوله تعالى (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) وقيل جماعات مختلفة روى صاحب الكشاف عن معاذ أن سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، فقال عليه السلام: يا معاذ سألت عن أمر عظيم من الأمور، ثم أرسل عينيه وقال: يحشر عشرة أصناف ن أمتي بعضهم على صورة القردة، وبعضهم على صورة الخنازير، وبعضهم منكسون أرجلهم فوق وجوهم يسحبون عليها، وبعضهم عمى، وبعضهم صم بكم، وبعضهم يمضغون ألسنتهم وهي مدلاة على صدورهم يسيل القبح من أفواهم يتقذرهم أهل الجمع، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مصلبون على جذوع من ناره وبعضهم