الأزيد والأنقص، لا بد وأن يكون بمخصص، فثبت أنه لا بد للسماء من بان: فإن قيل لم لا يجوز أن يقال: إنه تعالى خلق شيئا وأعطاه قدرة يتمكن ذلك المخلوق بتلك القدرة من خلق الأجسام فيكون خالق السماء وبانيها هو ذلك الشيء؟ الجواب: من العلماء من قال: المعلوم بالعقل أنه لا بد للسماء من محدث وأنه لا بد من الانتهاء آخر الأمر إلى قديم والإله قديم واجب الوجود لذاته واحد وهو الله سبحانه وتعالى، فأما نفي الواسطة فإنما يعلم بالسمع فقوله في هذه الآية: * (بناها) * يدل على أن باني السماء هو الله لا غيره، ومنهم من قال بل العقل يدل على بطلانه لأنه لما ثبت أن كل ما عداه محدث ثبت أنه قادر لا موجب، والذي كان مقدورا له إنما صح كونه مقدورا له بكونه ممكنا، فإنك لو رفعت الإمكان بقي الوجوب أو الامتناع وهما يحيلان المقدورية، وإذا كان ما لأجله صح في البعض أن يكون مقدورا لله وهو الإمكان والإمكان عام في الممكنات وجب أن يحصل في كل الممكنات صحة أن تكون مقدورة لله تعالى، وإذا ثبت ذلك ونسبة قدرته إلى الكل على السوية وجب أن يكون قادرا على الكل، وإذا ثبت أن الله قادر على الممكنات فلو قدرنا قادرا آخر قدر على بعض الممكنات، لزم وقوع مقدور واحد بين قادرين من جهة واحدة، وذلك محال، لأنه إما أن يقع بأحدهما دون الآخر وهو محال، لأنهما لما كانا مستقلين بالاقتضاء فليس وقوعه بهذا أولى من وقوعه بذاك أو بهما معا، وهو أيضا محال لأنه يستغني بكل واحد منهما عن كل واحد منهما، فيكون محتاجا إليهما معا وغنيا عنهما معا وهو محال، فثبت بهذا أنه لا يمكن وقوع ممكن آخر بسبب آخر سوى قدرة الله تعالى، وهذا الكلام جيد، لكن على قول من لا يثبت في الوجود مؤثرا سوى الواحد، فهذا جملة ما في هذا الباب.
واعلم أنه تعالى لما بين في السماء أنه بناها، بين بعد ذلك أنه كيف بناها، وشرح تلك الكيفية من وجوه:
* (رفع سمكها فسواها) *.
أولها: ما يتعلق بالمكان، فقال تعالى: * (رفع سمكها) *.
واعلم أن امتداد الشيء إذا أخذ من أعلاه إلى أسفله سمي عمقا، وإذا أخذ من أسفله إلى أعلاه سمي سمكا، فالمراد برفع سمكها شدة علوها حتى ذكروا أن ما بين الأرض وبينها مسيرة خمسمائة عام، و (قد) بين أصحاب الهيئة مقادير الأجرام الفلكية وأبعاد ما بين كل واحد منها وبين الأرض. وقال آخرون: بل المراد: رفع سمكها من غير عمد. وذلك مما لا يصح إلا من الله تعالى.
الصفة الثانية: قوله تعالى: * (فسواها) * وفيه وجهان الأول: المراد تسوية تأليفها، وقيل: بل المراد نفي الشقوق عنها، كقوله: * (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) * (الملك: 3) والقائلون بالقول الأول قالوا: * (فسواها) * عام فلا يجوز تخصيصه بالتسوية في بعض الأشياء، ثم قال هذا يدل على كون