مكاتبا ما يصرفه إلى جهة فكاك نفسه، روى البراء بن عازب، قال: " جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة، قال: عتق النسمة وفك الرقبة قال: يا رسول الله أو ليسا واحدا؟ قال: لا، عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة، أن تعين في ثمنها " وفيه وجه آخر وهو أن يكون المراد أن يفك المرء رقبة نفسه بما يتكلفه من العبادة التي يصير بها إلى الجنة فهي الحرية الكبرى، ويتخلص بها من النار.
المسألة الثالثة: قرىء: (فك رقبة) أو إطعام، والتقدير هي فك رقبة أو إطعام وقرئ: (فك رقبة أو أطعم) على الإبدال من اقتحم العقبة، وقوله: * (وما أدراك ما العقبة) * اعتراض، قال الفراء: وهو أشبه الوجهين بصحيح العربية لقوله: * (ثم كان) * (البلد: 16) لأن فك وأطعم فعل، وقوله: كان فعل، وينبغي أن يكون الذي يعطف عليه الفعل فعلا، أما لو قيل: ثم إن كان كان ذلك مناسبا لقوله: * (فك رقبة) * بالرفع لأنه يكون عطفا للاسم على الاسم.
المسألة الرابعة: عند أبي حنيفة العتق أفضل أنواع الصدقات، وعند صاحبيه الصدقة أفضل، والآية أدل على قول أبي حنيفة: لتقدم العتق على الصدقة فيها.
قوله تعالى * (أو إطعام فى يوم ذى مسغبة) *.
فيه مسائل:
المسألة الأولى: يقال: سغب سغبا إذا جاع فهو ساغب وسغبان، قال صاحب " الكشاف ": المسغبة والمقربة والمتربة مفعلات من سغب إذا جاع وقرب في النسب، يقال: فلان ذو قرابتي وذو مقربتي وترب إذا افتقر ومعناه التصق بالتراب، وأما أترب فاستغنى، أي صار ذا مال كالتراب في الكثرة. قال الواحدي: المتربة مصدر من قولهم ترب يترب تربا ومتربة مثل مسغبة إذا افتقر حتى لصق بالتراب.
المسألة الثانية: حاصل القول في تفسير: * (يوم ذي مسغبة) * ما قاله الحسن: وهو نائم يوم محروص فيه على الطعام، قال أبو علي: ومعناه ما يقول النحويون في قولهم: ليل نائم ونهار صائم أي ذو نوم وصوم.
واعلم أن إخراج المال في وقت القحط والضرورة أثقل على النفس وأوجب للأجر، وهو كقوله: * (وآتى المال على حبه) * (البقرة: 177) وقال: * (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا) * (الإنسان: 8) وقرأ الحسن: (ذا مسغبة) نصبه بإطعام ومعناه أو إطعام في يوم من الأيام ذا مسغبة.
أما قوله تعالى: * (يتيما ذا مقربة) *.
قال الزجاج: ذا قرابة تقول زيد ذو قرابتي وذو مقربتي، وزيد قرابتي قبيح لأن القرابة مصدر، قال مقاتل: يعني يتيما بينه وبينه قرابة، فقد اجتمع فيه حقان