قوله تعالى * (فأراه الاية الكبرى) *. وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: الفاء في * (فأراه) * معطوف على محذوف معلوم، يعني فذهب فأراه، كقوله: * (فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت) * (البقرة: 60) أي فضرب فانفجرت.
المسألة الثانية: اختلفوا في الآية الكبرى على ثلاثة أقوال: الأول: قال مقاتل والكلبي: هي اليد، لقوله في طه: * (وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء) * (النمل: 12) آية أخرى * (ليريك من آياتنا الكبرى) * (طه: 23) القول الثاني: قال عطاء: هي العصا، لأنه ليس في اليد إلا انقلاب لونه إلى لون آخر، وهذا المعنى كان حاصلا في العصا، لأنها لما انقلبت حية فلا بد وأن يكون قد تغير اللون الأول، فإذا كل ما في اليد فهو حاصل في العصا، ثم حصل في العصا أمور أخرى أزيد من ذلك، منها حصول الحياة في الجرم الجمادي، ومنها تزايد أجزائه وأجسامه، ومنها حصول القدرة الكبيرة والقوة الشديدة، ومنها أنها كانت ابتلعت أشياء كثيرة وكأنها فنيت، ومنها زوال الحياة والقدرة عنها، وفناء تلك الأجزاء التي حصل عظمها، وزوال ذلك اللون والشكل اللذين بهما صارت العصا حية، وكل واحد من هذه الوجوه كان معجزا مستقلا في نفسه، فعلمنا أن الآية الكبرى هي العصا والقول الثالث: في هذه المسألة قول مجاهد: وهو أن المراد من الآية الكبرى مجموع اليد والعصا، وذلك لأن سائر الآيات دلت على أن أول ما أظهر موسى عليه السلام لفرعون هو العصا، ثم أتبعه باليد، فوجب أن يكون المراد من الآية الكبرى مجموعهما.
* (فكذب وعصى) *.
أحدها: قوله تعالى: * (فكذب وعصى) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: معنى قوله: * (فكذب) * أنه كذب بدلالة ذلك المعجز على صدقه. واعلم أن القدح في دلالة المعجزة على الصدق إما لاعتقاد أنه يمكن معارضته، أو لأنه وإن امتنعت معارضته لكنه ليس فعلا لله بل لغيره، إما فعل جنى أو فعل ملك، أو إن كان فعلا لله تعالى لكنه ما فعله لغرض التصديق، أو إن كان فعله لغرض التصديق لكنه لا يلزم صدق المدعى، فإنه لا يقبح من الله شيء البتة، فهذه مجامع الطعن في دلالة المعجز على الصدق، وما بعد الآية يدل على أن فرعون إنما منع من دلالته عن الصدق لاعتقاده أنه يمكن معارضته بدليل قوله: * (فحشر فنادى) * (النازعات: 23) وهو كقوله: * (فأرسل فرعون في المدائن حاشرين) * (الشعراء: 53).
المسألة الثانية: في الآية سؤال وهو أن كل أحد يعلم أن كل من كذب الله فقد عصى، فما الفائدة في قوله: * (فكذب وعصى) *؟ والجواب: كذب بالقلب واللسان، وعصى بأن أظهر التمرد والتجبر.