قوله تعالى * (والسمآء ذات الرجع * والارض ذات الصدع * إنه لقول فصل * وما هو بالهزل * إنهم يكيدون كيدا * وأكيد كيدا * فمهل الكافرين أمهلهم رويدا) *.
اعلم أنه سبحانه وتعالى لما فرغ من دليل التوحيد، والمعاد أقسم قسما آخر، أما قوله: * (والسماء ذات الرجع) * فنقول: قال الزجاج الرجع المطر لأنه يجيء ويتكرر. واعلم أن كلام الزجاج وسائر أئمة اللغة صريح في أن الرجع ليس اسما موضوعا للمطر بل سمي رجعا على سبيل المجاز، ولحسن هذا المجاز وجوه أحدها: قال القفال: كأنه من ترجيع الصوت وهو إعادته ووصل الحروف به، فكذا المطر لكونه عائدا مرة بعد أخرى سمي رجعا وثانيها: أن العرب كانوا يزعمون أن السحاب يحمل الماء من بحار الأرض ثم يرجعه إلى الأرض وثالثها: أنهم أرادوا التفاؤل فسموه رجعا ليرجع ورابعها: أن المطر يرجع في كل عام، إذا عرفت هذا فنقول للمفسرين أقوال: أحدها: قال ابن عباس: * (والسماء ذات الرجع) * أي ذات المطر يرجع لمطر بعد مطر وثانيها: رجع السماء إعطاء الخير الذي يكون من جهتها حالا بعد حال على مرور الأزمان ترجعه رجعا، أي تعطيه مرة بعد مرة وثالثها: قال ابن زيد: هو أنها ترد وترجع شمسها وقمرها بعد مغيبهما، والقول هو الأول، أما قوله تعالى: * (والأرض ذات الصدع) * فاعلم أن الصدع هو الشق ومنه قوله تعالى: * (يومئذ يصدعون) * (الروم: 43) أي يتفرقون وللمفسرين أقوال قال ابن عباس: تنشق عن النبات والأشجار، وقال مجاهد: هو الجبلان بينهما شق وطريق نافذ. كما قال تعالى: * (وجعلنا فيها فجاجا سبلا) * (الأنبياء: 31) وقال الليث: الصدع نبات الأرض، لأنه يصدع الأرض فتنصدع به، وعلى هذا سمي النبات صدعا لأنه صادع للأرض، واعلم أنه سبحانه كما جعل، كيفية خلقة الحيوان دليلا على معرفة المبدأ والمعاد، ذكر في هذا القسم كيفية خلقة النبات، فالسماء ذات الرجع كالأب، والأرض ذات الصدع كالأم وكلاهما من النعم العظام لأن نعم الدنيا موقوفة على ما ينزل من السماء من المطر متكررا، وعلى ما ينبت من الأرض كذلك، ثم إنه تعالى أردف هذا القسم بالمقسم عليه فقال: * (إنه لقول فصل) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في هذا الضمير قولان:
الأول: ما قال القفال وهو: أن المعنى أن ما أخبرتكم به من قدرتي على إحيائكم في اليوم