* (فسوف يدعو ثبورا) *.
أما قوله * (فسوف يدعو ثبورا) * فاعلم أن الثبور هو الهلاك، والمعنى أنه لما أوتي كتابه من غير يمينه علم أنه من أهل النار فيقول: وا ثبوراه، قال الفراء: العرب تقول فلان يدعوا لهفه، إذا قال: وا لهفاه، وفيه وجه آخر ذكره القفال، فقال: الثبور مشتق من المثابرة على شيء، وهي المواظبة عليه فسمي هلاك الآخرة ثبور لأنه لازم لا يزول، كما قال: * (إن عذابها كان غراما) * (الفرقان: 65) وأصل الغرام اللزوم والولوع.
* (ويصلى سعيرا) *.
أما قوله تعالى: * (ويصلى سعيرا) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: يقال: صلى الكافر النار، قال الله تعالى: * (وسيصلون سعيرا) * (النساء: 10) وقال: * (ونصله جهنم) * (آل عمران: 115) وقال: * (إلا من هو صال الجحيم) * (الصافات: 1) وقال: * (لا يصلاها إلا الأشقى * الذي كذب وتولى) * (الليل: 16, 15) والمعنى أنه إذا أعطى كتابه بشماله من وراء ظهره فإنه يدعو الثبور ثم يدخل النار، وهو في النار أيضا يدعو ثبورا، كما قال: * (دعوا هناك ثبورا) * (الفرقان: 13) وأحدهما لا ينفي الآخر، وإنما هو على اجتماعهما قبل دخول النار وبعد دخولها، نعوذ بالله منها ومما قرب إليها من قول أو عمل.
المسألة الثانية: قرأ عاصم وحمزة وأبو عمرو ويصلى بضم الياء والتخفيف كقوله: * (نصله جهنم) * وهذه القراءة مطابقة للقراءة المشهورة لأنه يصلى فيصلى أي يدخل النار. وقرأ ابن عامر ونافع والكسائي بضم الياء مثقلة كقوله: (وتصلية جحيم) وقوله: * (ثم الجحيم صلوه) * (الحاقة: 31).
* (إنه كان فى أهله مسرورا) *.
أما قوله تعالى: * (إنه كان في أهله مسرورا) * فقد ذكر القفال فيه وجهين أحدهما: أنه كان في أهله مسرورا أي منعما مستريحا من التعب بأداء العبادات واحتمال مشقة الفرائض من الصلاة والصوم والجهاد مقدما على المعاصي آمنا من الحساب والثواب والعقاب لا يخاف الله ولا يرجوه فأبدله الله بذلك السرور الفاني غما باقيا لا ينقطع، وكان المؤمن الذي أوتي كتابه بيمينه متقيا من المعاصي غير آمن من العذاب ولم يكن في دنياه مسرورا في أهله فجعله الله في الآخرة مسرورا فأبدله الله تعالى بالغم الفاني سرورا دائما لا ينفذ الثاني: أن قوله: * (إنه كان في أهله مسرورا) * كقوله: * (وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين) * (المطففين: 31) أي متنعمين في الدنيا معجبين بما هو عليه من الكفر فكذلك ههنا يحتمل أن يكون المعنى أنه كان في أهله مسرورا بما هم عليه من الكفر بالله والتكذيب بالبعث يضحك ممن آمن به وصدق بالحساب، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ".
* (إنه ظن أن لن يحور) *.
أما قوله: * (إنه ظن أن لن يحور) * فاعلم أن الحور هو الرجوع والمحار المرجع والمصير وعن